موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب
   الصفحة الرئيسية           المـقـالات            أخبار النحالة            بحوث حديثة           الــصـــور            المـجـلــة   
أساسيات تربية النحل أرسل لنا مقالاً أو خبراً
أو صورة لنشرها

الإجهادات التي تتعَّرض لها طوائف نحل العسل
والأساليب الصحيحة في إدارة المناحل للتخفيف من وطأتها
الدكتور علي خالد البراقي
     أستاذ تربية النحل والحشرات الاقتصادية
     جامعة دمشق - كلية الزراعة
رئيس جمعية النحالين السوريين،
  أمين عام مساعد اتحاد النحالين العرب - سورية




مقدمــــة:



إذا تعرض الكائن الحي، نباتاً كان أم حيواناً، إلى أي عامل مُجْهِد فسيتأثر، ويقوم برد فعل سلوكي أو فيزيولوجي، وإذا استمر تأثير هذا العامل المجهد stressor، لمدة طويلة، فإن مجموعة أخرى من التغيرات السلوكية، تليها تغيرات أخرى فيزيولوجية، ستطرأ على  الفرد حتى تنفذ طاقاته تدريجياً، فينخفض إنتاجه إلى أن ينعدم، وتتأثر صحته إلى أن يُصاب بالأمراض، وبانخفاض في مقاومته، وقد يؤدي به ذلك إلى الموت.

ونحل العسل يتعرض إلى إجهادات متعددة، قد يحتمل تأثير بعضها ويتمكن من التكيُّف معها، إن تعرَّض لتأثيرها لمدة قصيرة أو طويلة، ومن هنا تنشأ الأنماط البيئية المتفاوتة التحمُّل للظروف والمؤثرات، ولكن بعض العوامل المجهدة لا يستطيع النحل التكيُّف معها، ويبدو تأثيرها واضحاً وسريعاً بمعاناة قاسية، تؤدي إلى تراجع قوة الطوائف وتدهورها، ثم إصابتها بالأمراض فالموت إذا لم يتخذ النحال الإجراءات الكفيلة بتخفيف تأثير العوامل المجهدة المتسببة بذلك( نضوب الرحيق –عدم توافر الماء– عدم توافر حبوب الطلع الخ…. ).

وهذا ما يحدث في المناحل كل يوم، بل كل لحظة، وكذلك في عالم النبات والحيوان، وكثيراً ما تُفتَقد مناحل بالكامل نتيجة لذلك، وتكون خسارة النحل قاسية وثقيلة أحياناً، وقد يخسر النحال من قوة طوائفه دون أن يشعر بأن عوامل مجهدة تؤثر عليها، وتُقلِّل من إنتاجها ومن مقاومتها، والنحال الذي لا يبادر إلى رفع تأثير العوامل المُجهدة، مباشرة بعد علمه بحدوث تأثيرها بسبب عدم معرفته سابقاً بها، أو بسبب إهماله وعدم اكتراثه، ظناً منه أن تأثيرها طفيف، سيبقى نحالاً يحتفظ بصناديق(خلايا ضعيفة) وليس بطوائف نحل، وهذا ما نلاحظه كثيراً في جولاتنا الميدانية على المناحل، في أثناء اشتداد تأثير بعض الجوانب المجهدة (حرارة مرتفعة صيفاً، مترافقة مع نُدرة في مصادر الغذاء، برد قارس شتاءً، وطوائف ضعيفة غير قادرة على التشتية الخ ..) .

أهم أنواع الإجهاد التي يتعرض لها نحل العسل في المناحل

1.        الإجهاد الغذائي:

إن نقص الموارد، أو جفاف مصادر الغذاء(رحيق، حبوب طلع، ماء …)، خطير جداً على طوائف النحل، وقد يؤدي إلى تدهور سريع في قوة الطائفة، خصوصاً تلك التي ليس لديها مخزوناً من الغذاء، تستطيع الاستعانة به في فترات الجفاف المفاجئة، وكذلك إلى تراجع في الإنتاج، بل انعدامه، وقد يُهدِّد استمرار هذا العامل المجهد بموت الطائفة، وكثيراً ما يُفاجأ النحالون بموت كلي للطوائف في مناحلهم، أو موت جزئي في المنحل في بعض الطوائف الضعيفة، بل والقوية في غالب الأحوال، ولعل هذا ما يُشاهد أحياناً مع سلالات النحل المُدخلة( إيطالية، كرنيولية أو غيرها ..)، بينما تبقى النحلة المحلية سيدة بيئتها، أينما كانت، تقاوم الظروف وتتكيف معها، محافِظة على الطائفة في حدود احتياجاتها الدنيا(خفض في تربية الحضنة، اقتصاد في استهلاك المخزون ...)، وتقوم بردود فعل سلوكية وفيزيولوجية تتناسب مع شدة العامل المؤثر أو المُجْهِد، ويرى النحال آثار هذا التفاعل الحكيم للنحلة المحلية مع ظروف البيئة أو النحلة المدخلة المتاقلمة في:

       §توقف فجائي للملكة عن وضع البيض أو تباطؤ متدرِّج فيه.

       §ضبط الشغالات لعدد البيض الذي تضعه الملكة بابتلاعها له.

       §إزالة اليرقات كلها من النخاريب، لتقليل عدد الأفواه المستهلكة للغذاء.

   §الاقتصاد في استهلاك مقدرات الخلية، بل أحياناً تكون اليرقات نفسها مصدراً غذائياً، فتمتص الشغالات محتوياتها (توفير في استهلاك مخزون الخلية، أو ما يُمكن أن نسميه بإعادة تدوير البروتين)، والاقتصاد في استهلاك الغذاء وتوفير الطاقة، بتخفيض الأنشطة داخل الخلية وخارجها إلى الحد الأدنى، تجنباً لاستهلاك الطاقة.

إن استمرار تأثير هذا العامل المجهد، ستكون آثاره غير مُرضية للنحال، إذ تتدهور قوة الطوائف، وتضعف مقاومتها تجاه الأمراض، والطفيليات وأعداء النحل،وسينخفض عدد الشغالات في الخلية، ويكبر سنها؛ ولن تعقبها أجيال أخرى لتجدد حيوية الطائفة، مما يؤدي إلى عدم الحصول على إنتاج، وباستمرار ذلك سيكون موت الطائفة أمراً حتمياً.

     2.        إجهاد ناتج عن تأثير الظروف الطبيعية:

تلعب ظروف الطقس من حرارة ورطوبة، دوراً كبيراً في نشاط طائفة نحل العسل: إن ارتفاع درجة الحرارة إلى حد يفوق احتمال طائفة النحل، واستمرار ذلك إلى فترة طويلة؛ مع نقص الماء، أو بعد مصدره عن موقع المنحل، يؤدي إلى أضرار خطيرة على النحل، وتتأثر بعض السلالات بذلك أكثر من غيرها، وعموماً، يُعدُّ النحل المحلي أكثر مقاومة في ذلك من النحل الأجنبي (مشاهدات شخصية على النحلة السورية، وعلى النحلة اليمنية أو العمانية أيضاً كلٍ في بيئتها)، مقارنة بالنحل الأجنبي(إيطالي، كرنيولي) المُدخل إلى  البيئة المحلية لكل منها، ويظهر ذلك بعدم مقدرة الطائفة على تكييف جو الخلية، وهروب النحل إلى خارج الخلية، وتجمعه على بابها، أو في الظل أسفل الخلية، أو أن تهجر الطائفة الخلية، مخلِّفة الأقراص بما فيها من حضنة وعسل وشمع، لتذوب وتسيل، وبالتالي فقدان النحل والأقراص.

فالنحل المحلي هو الأكثر مقدرة على تحمُّل ظروف البيئة التي عايشها، وصاغ قدرتة على تحمل متغيراتها عبر آلاف السنين، والإدارة السليمة للمناحل تخفف من وطأة معاناة النحل، سواء كان محلياً أم أجنبياً، فوضع الخلايا تحت مظلات مناسبة، أو تحت أشجار ظليلة، وتأمين مصدر ماء قريب ومتجدِّد، وعدم إبقاء المناحل المرتحلة في مناطق فقيرة بالمراعي، أو ترك الخلايا في المرعى لفترة طويلة بعد انقطاع فيضه، وما إلى هنالك من إجراءات يمكن اتخاذها تساعد في إبقاء المناحل في حالة جيدة، وتُحافظ على إنتاجية عالية فيها.

كما يُعدُّ انخفاض درجة الحرارة إلى حد كبير مجهداً للطوائف، خصوصاً إذا كانت فترة الانخفاض طويلة (عدة أسابيع إلى عدة شهور)، وبخاصة إذا كان مخزون الغذاء في الخلية قليلاً، وإذا كانت الخلية الخشبية قديمة أو غير محكمة الأجزاء، ويكون الأمر مميتاً للنحل، لا محالة إذا ترافق ذلك مع تسرب للماء إلى داخل الخلية، وارتفعت رطوبتها إلى درجة كبيرة.

ولمقاومة هذا الإجهاد الذي تتعرض له طوائف النحل لا بد من أن تكون:

      1.        طوائف النحل قوية إلى قوية جداً، وخالية من أي مرض.

      2.        مخزون الخلايا من الغذاء السكري والبروتيني وفيراً .

      3.        الخلية الخشبية وأجزاؤها محكمة، وجيدة لا تسمح للرطوبة بالنفاذ إلى داخلها.   4.   أن يكون موقع المنحل في مكان مشمس شتاءً؛ وفي الأوقات الباردة من الفصول، بعيداً عن الظل والتيارات الهوائية الباردة، وفي مكان ظليل صيفاً.

إن دليل تعرض النحل للرياح الباردة هو: تربية الحضنة في مقدمة الخلية على الربع الأمامي من القرص، وهو مؤشر أيضاً على ضعف الطوائف، ويُحذَّر النحال من تغذية النحل بالمحاليل السكرية ( الباردة أو الدافئة) على حد سواء في فصول السنة الباردة، حيث يتوجب عليه استعمال الكاندي، ويُطلب إليه الموازنة بين حجم النحل وعدد الأقراص، بحيث يكون النحل في أثناء التشتية مغطياً لكامل الأقراص في الخلية دون الاحتفاظ بأقراص كثيرة زائدة، أو بعاسلات فوق الخلية أحياناً(كما شاهدنا في بعض المناحل)، لأن هذا يؤثر كثيراً على تطور طائفة النحل، ويزيد  الفقد الحراري كثيراً في الخلايا خلال الشتاء، وهذا يُسرِّع في استهلاك ونفاذ مخزون الطوائف، فتُصاب بالجوع، ثم بالبرد، ثم بالأمراض، ثم تموت أخيراً.

     3.        إجهادات ناشئة عن أساليب الإدارة غير الصحيحة للمناحل:

إن أهم هذه الأساليب غير السليمة في إدارة المناحل، التي قد تصدر عن نحال قديم أو نحال هاوٍ جديد المعرفة بالنحل، وتُعرِّض النحل لتأثير عوامل إجهاد مختلفة، هي الأمور التالية:

أ.       الإجهادات الناتجة عن تعرُّض النحل لتأثير المبيدات:


       والمبيدات سواء تلك التي تُستخدم داخل الخلية، كالمبيدات المطبقة ضد فاروا النحل، أو غيره من الآفات، بإدخال جرعات عالية من المبيد، مما يؤدي إلى تسمم حاد أو مزمن في النحل، فيُضعف الطوائف أو يميتها، أو ترك النحل يتعرض إلى خطر مبيدات ناتجة عن الرش الجوي أو الأرضي، لبساتين وحقول الخضار والمحاصيل، مما يؤدي إلى هلاك الخلايا، أو هلاك شغالات الحقل، مما ينجم عنه تدهور حالة الطوائف، وتسمم منتجاتها التي ستؤثر على صحة المستهلك.

ب.  الإجهادات الناتجة عن سوء اختيار أو تحديد موقع المنحل:


    كأن يكون قريباً من حظائر الحيوانات، التي تنبعث منها روائح مزعجة، أو أن يكون قريباً من الطرقات والضجيج المنبعث من المعامل، وحركة المرور وغير ذلك، وقد يكون الإجهاد ناشئاً عن عدم استقرار الخلايا على حامل الخلية، مما يؤدي إلى اهتزازٍ مستمرٍ لها، وهذا ما يؤدي بدوره إلى الاضطراب المستمر في الطائفة، مما يجعلها هائجة على الدوام، وهذا ما يُفسِّر الشراسة الشديدة أحياناً في بعض أو كل خلايا منحل ما، لا أثر واضح لأسباب شراسته، أو أن يكون حامل الخلايا قصيراً تؤثر به رطوبة الأرض، ووجود الأعشاب الطويلة على مداخل الخلايا، التي قد تمنع أيضاً مرور النحل بحرية، ثم إن تشتية النحل في موقع ظليل أو معرض للرياح الباردة، أو تعريض الخلايا للتيارات الهوائية الساخنة ( بلدان الخليج العربي، وغيرها من البلدان الحارة ..) مما يُهيِّج النحل كثيراً.

ج.    الإجهادات الناتجة عن جهل النحال بسلوك النحل:


    وهذه الإجهادات كثيرة الحدوث، كأن ينتج إجهاد عن ازدحام الخلايا في المنحل، أو في المراعي، مما يثير شراسة النحل بالدفاع عن الخلية، وهذا يؤدي إلى ضياع قسم من النحل، والإساءة إلى الجوار، وكذلك فإن بُعْد المنحل عن المرعى يُعرضه لإجهادٍ أيضاً، كما يؤدي استخدام الملابس غير النظيفة إلى إثارة النحل، ويُعرضه للإجهادات المستمرة، في التحفُّز المستمر للدفاع عن الخلية، و يُقلِّل من النحل السارح، لذا يُنصح بغسل ملابس النحال وأدواته بعد كل زيارة أو عدة زيارات للمنحل، حتى أن التدخين الذي يُستخدم عادة في تهدئة النحل قد يكون عاملاً مجهداً عندما يكون التدخين أقل أو أكثر مما يجب.

ثم إن استخدام شمع أساس تم تصنيعه من مادة غير نقية تماماً، وقياساتها ليست هي المطلوبة، يُسبب إجهاداً للنحل أيضاً، فالنحلة العمانية أو اليمنية صغيرة الحجم مثلاً، وعندما نُقدِّم لها شمع أساس طُبع للنحلة الكرنيولية أو غيرها من السلالات الكبيرة الحجم نوعاً، فإننا نُعرضها إلى إجهادات في البناء، واضطراب في العمل، وتُنتج بالتالي أقراصاً شمعية فيها كثيراً من العيون السداسية المشوهة( البراقي، 1999)، بسبب أن أقطار العيون السداسية أقل بنحو ميليمتراً واحداً في النحلة العمانية (4.5 مقابل 5.5 مم في سلالات النوع نفسه) (البراقي،

1999)، كما أن استخدام أساسات شمع قديمة تُجهد النحل أيضاً، وتُعرِّضه إلى احتمال الإصابة بالأمراض وإضاعة وقته وطاقته، كما يتعرض النحل في أثناء ترحيله إلى إجهادات تزيد أو تنقص، تبعاً لتمكُّن النحال من القيام بالإجراءات على الشكل المطلوب، ومن أهم ذلك، أن تُوضع الخلايا في صفوف متراصة، وأبوابها متجهة إلى الخلف، وطول القرص بنفس المحور الطولي للسيارة، ومن ثم حزم الخلايا جيداً، وتغطيتها بغطاء سميك إذا كانت ستتعرض في أثناء المسير إلى تيارات باردة أو حارة، وتداول الخلايا وتناولها ووضعها على السيارة، وعلى الأرض في أثناء تنزيلها، بهدوء وحيطة وحذر وبنظام كي نقلل ما أمكن من موت الشغالات، وتعريض الخلية للاضطراب.

كما أن الحمولة الرعوية العالية، والتي قلما ينتبه النحالون إليها، تُعرِّض المناحل إلى إجهادات كبيرة جداً، ومن المعلوم أن بعض النحالين يلاحظون شراسة النحل الشديدة في أثناء قطاف العسل، وإن قطافهم للعسل في ظروف اضطراب الطوائف يؤثر سلباً على قوتها، ويُعرضها للسرقة إذا كان القطاف جائراً، فمدة الكشف على الخلية، وخطوات فحصها، وقطاف العسل منها، وموعد القطاف، كل ذلك يلعب دوراً مهماً في إجهاد أو عدم إجهاد النحل، وكما ذكرنا إن التدخين السيئ قد يُحدِث اضطراباً في الطوائف، ويُعرضها إلى مساوئ كثيرة، لذا فيُنصح بعدم تقريب المدخن كثيراً حتى يلامس الخلية ويهزها في أثناء إعطاء دفعات الدخان، وكذلك كي لا ينفث هواءً ساخناً يُثير النحل بدلاً من أن يهدئه، كما أن التطريد الجائر والتقسيم في غير وقته من العوامل المجهدة لطائفة النحل أيضاً، وعلى النحال مراعاة ذلك جيداً.

ولعلنا نُطيل الكلام كثيراً، إذا ما انطلقنا في تعداد كل العمليات غير الصحيحة التي يمارسها بعض النحالين في إدارة مناحلهم، والتي تُعرِّض النحل للإجهاد والضعف، وإذا انطلقنا من قاعدة أن الطائفة القوية تفضُل عشرة طوائف ضعيفة، فإننا نتوجه للتذكير بالإنتاجية، إذ يسرح ثلثا عدد شغالات الطوائف القوية، مقابل الثلث فقط  في الطوائف الضعيفة، وإذا كان إنتاج العسل في خلية ما، يساوي مربع وزن النحل السارح، فإن إنتاج الخلية القوية التي يكون عدد شغالاتها نحو 70 – 100 ألف نحلة سيكون نحو 25 – 50 كغ، بينما هو في طائفة ضعيفة، عدد شغالاتها لايزيد عن 30 ألف نحلة لن يزيد عن 1 - 2 كغ، بل إن الطوائف الضعيفة تكاد أن لا تجمع ما يفي بحاجتها، وهكذا كلما خففَّ النحال من تعرض نحله للعوامل المجهدة كلما كانت طوائفه قوية، وكلما زادت بالتالي إنتاجيتها.


الدكتور علي خالد البراقي


تاريخ النشر         10 - 8 - 2017        
مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف * www.na7la.com * منذ عام 2007