موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب
   الصفحة الرئيسية           المـقـالات            أخبار النحالة            بحوث حديثة           الــصـــور            المـجـلــة   
أساسيات تربية النحل أرسل لنا مقالاً أو خبراً
أو صورة لنشرها

الغرائز لدى نحل العسل

الدكتور طارق مردود


النحلة حشرة تسيرها الغرائز. وفي كل فترة من حياة النحلة تسيطر عليها غريزة من الغرائز، وعلى النحال أن يعرف الغريزة المسيطرة ويتصرف على أساسها، لمصلحته وإن كان ليس لمصلحة النحل؟
تطرأ على طائفة النحل خلال السنة سلسلة من التغيرات النوعية التي تنشأ في الأساس بسبب تغير فصول السنة ومراحل تطور عالم النبات. فالنحل يستشعر ماحوله ويستكشف النباتات المحيطة بموقعه. فحياته تعتمد على النباتات وما تجود به من رحيق وطلع.

تتوقف فعاليات الحياة لدى النحل طيلة فترة الشتاء، وتعيش حينها تحت تأثير غريزة حفظ الحياة. ولكي لا تموت من البرد يبدأ النحل منذ الخريف بالتجمع وتشكيل ما يسمى بالكرة أو العقدة. باقترابها من بعضها البعض بشدة تدفأ النحلات وفي نفس الوقت لا تسمح للحرارة أن تفقد للخارج لأن حياتها في هذه الفترة من السنة تعتمد على ذلك. كما أنه يستهلك أقل كمية من الغذاء، وهو ما يكفي فقط لتأمين الدفء.تدور النحلات ضمن هذه الكرة، فالنحلات التي في السطح تبرد فتدخل إلى داخل الكرة وتخرج بدلاً عنها النحلات اللاتي في الداخل والتي دفيت. لذلك, كلما كان عدد النحلات كبيراً كلما طالت مدة الدفء وكانت أكثر مقدرة على تحمل البرد.

في فترة الشتاء يتوقف سروح النحل، ليس بسبب عدم وجود أزهار في الطبيعة فقط، وإنما خوفا من البرد فلا تخرج لطرح الفضلات وتستطيع التوقف عن ذلك لفترة طويلة. هذا النمط من الحياة أتاح للنحل تحمل الشتاء مع أقل فقد للطاقة, التي بدونها لا يمكن أن تستمر حياته وبالتالي تكاثره.

ما أن تبدأ نسائم الربيع ويطول النهار حتى تبدأ النباتات بالانتعاش وتستجيب لذلك كل الكائنات الحية. يبدأ النحل أيضاً بالاستجابة للتغير في الطبيعة فتبدأ نغمة السرور تصدح في الطائفة، فبعد أن كان النحل هادئاً وصوته مستوياً ويكاد لا يسمع، فإنه الآن أصبح ثابتاً وأكثر قوة واقتراباً. النحلات التي كانت مختبئة في النخاريب الفارغة تبدأ بمغادرتها وتبدأ العقدة بالارتخاء وتكبر بالحجم. كذلك تبدأ الشغالات بالاهتمام أكثر بالملكة وتأخذ بعرض الغذاء عليها بإلحاح وتجتمع حولها الوصيفات: عندها تظهر في الطائفة غريزة التكاثر.

تأخذ الشغالات بتنظيف النخاريب في الأقراص الوسطى و تعقيمها وتجهيزها لتبيض بها الملكة. عندها تبدأ الملكة بوضع البيض، وما أن تفعل ذلك حتى تدخل الطائفة في مرحلة حياتية جديدة ويبدأ نشاطها بالارتفاع. لكي تفقس البيوض وتتطور إلى نحلات يجب تأمين الظروف الملائمة وأولها الدفء: يجب ألا تقل الحرارة عن 32 درجة مئوية، ومصدر الدفء عند النحل هو العسل الذي يحرق في جسم النحلة مولداً الحرارة اللازمة، لذلك يبدأ النحل بالتغذية عليه دون تقتير أو خوف من نفاذه.

لقد انتهى فصل الشتاء وقريباً ستتفتح الأزهار وتستطيع جمع الرحيق وغبار الطلع الذي تحتاجه أيضاً بكثرة في هذه الفترة لتغذية اليرقات وتغذية الملكة بالإضافة لحاجتها هي منه. هذا يؤدي بدوره إلى زيادة حيوية الشغالات وزيادة إفراز الغدد لديها وخاصة الغدد اللبنية التي تفرز الغذاء الملكي اللازم لتغذية اليرقات في أيامها الثلاثة الأولى واللازم لتغذية الملكة طيلة حياتها.

تضع الملكة في هذه الفترة من 20-30 بيضة في اليوم, وتضعها في الأماكن الأكثر دفئاً من العش وفي قرص واحد أو اثنين، ثم يزداد عدد البيض الذي تضعه الملكة بالتدريج شاغلاً مساحة أكبرفي الأقراص ويزداد بالتالي حجم العمل في الطائفة. تظهر غريزة التكاثر حتى في الطوائف التي نفذ لديها احتياطي الغذاء أو أنه تبلور أو كان موجوداً بعيداً عن العش.

وهكذا فإن الفترة الأخيرة من الشتاء التي تبدأ مع ظهور أول بيضة في العش وتنتهي عند بدءالطيران الجماعي، هي الفترة الأكثر صعوبة في حياة النحل وفي عمل النحال، وبقدر ما تمر هذه الفترة بسلام تتحدد حياة الطائفة المقبلة وإنتاجيتها.

إلى أن ينتهي الشتاء تكون الطائفة في أسوأ حالة يمكن أن تمر بها. عندها يكون النحل قد شاخ،كما أن وجود الحضنة, التي تشغل في هذه الفترة مساحة معتبرة من الإطارات, تستهلك كمية كبيرة من الغذاء وتحتاج للدفء. تستهلك الطائفة في هذه الفترة كميات كبيرة من غبار الطلع، الغذاء البروتيني للنحل، كما أنهالا تعود توفر في استهلاك الغذاء كما كان في الشتاء، وعند عدم كفاية غبار الطلع فإن ذلك يؤدي إلى استهلاك البروتين من جسم النحلة, وبالتالي ضعفها وقلة إنتاج الغذاء الملكي اللازم لغذاءالحضنة والملكة.

فظهور غريزة التكاثر يؤدي إلى زيادة الحاجة لغبار الطلع في طائفة النحل. وإذا ما طالت فترة الصقيع فإن أمعاء النحل تمتلئ بالبراز دون أن تستطيع الخروج لإفراغه، ولكن الطوائف القوية والتي أمضت الشتاء بنجاح تستطيع أن تجتاز هذه المرحلة حتى وإن طالت فترة الشتاء إلى سبعة أشهر كما في سيبيريا وشمال كندا.

وعندما تبدأ نسائم الربيع، تزداد غريزة التكاثر عند النحل ومن ثم تظهر غريزة حفظ العش وتنظيفه. أنجزت الشغالات الشتوية عملها، أنشأت جيلاً جديداً، جددت العش وملأته بالحضنة، وجلبت عسلاً جديداً وغبار طلع: أي أنها هيأت كل الظروف المناسبة لحياة ونمو الطائفة، لكنها تكون قد أنهكت وبدأت تموت.

الهدف الأساسي للطائفة في هذه الفترة هي تأمين استمرار وجودها ، وهذا مفهوم : لقد مرت الطائفة في أصعب فترة من حياتها وهي التشتية. استهلك جسم النحلة خلال هذه المرحلة وأصبحت أيامها تعد بالأيام. كل طائفة نحل تسعى الآن بكل سرعة أن تنمي جيلاً جديداً هو أمل مستقبلها، لذلك فإن غريزة التكاثر تصبح هي الموجه لكل نشاط الطائفة وتخضع كل الغرائز الأخرى لها. فالنحل يجمع الغذاء في هذه الفترة لا لتخزينه أو ليتغذى عليه وإنما لتغذية الحضنة، لذلك فهو يخزنه في نفس الإطارات التي توجد فيها الحضنة.

بعد موت النحل القديم يصبح في القفير في الواقع طائفة جديدة وتدخل في المرحلة التالية من تطورها. يكون النحل الجديد كامل الحيوية ونشيطاً وقادراً على تنفيذ الكثير من العمل في وقت قصير، وتكون غددها، وخاصة المنتجة للشمع والغذاء الملكي، فتية ونشيطة. لكن أمام هذا النحل الجديد مهمة مختلفة، هي التكاثر وذلك عن طريق التطريد، أي إنشاء طائفة جديدة. وبالرغم من أن الطائفة قد تجددت جميع شغالاتها، إلا أنها ليست مؤهلة بعد لهذه المهمة لأنها لم تستجمع كل قواها، فهي كالثمرة التي لم تنضج بعد، ولكي تنضج وتصبح قادرة على توليد كيان جديد مشابه، لذا يجب عليها أولاً أن تنمو، أي أن تزيد من كتلتها الحية. لذلك فإن الشغالات تبدأ بإعطاء الملكة اهتماماً أكبر وتعرض عليها الغذاء بغزارة.

تعمل الملكة بنشاط ولا تكاد تستريح من وضع البيض وتوسيع مساحة الحضنة، وما أن تخرج النحلة الفتية من خدرها حتى تبدأ بتنظيفه وجعله جاهزاً لوضع البيض مرة أخرى وتنصرف لعملها الجديد. فهي قد هيأها الله للعمل الموحى لها: تغذية الملكة والحضنة الفتية.

يصبح الطقس دافئاً بشكل دائم وتتفتح جميع الأزهار فيزداد جمع النحل للرحيق والطلع، ويظهر في الطائفة كل يوم جيل جديد من الشغالات. ورغم أنه مازالت بعض الشغالات تموت بسبب الظروف الجوية والأعداء أو المرض، فإن أعدادها لا تقارن بما يضاف للطائفة كل يوم من الشغالات الجديدة, أي أن الطائفة تنمو ويزداد وزنها الحي.

إحدى خصائص الطائفة النامية في هذه الفترة أنها لا تنمِّي إلا الشغالات، فالملكة لا تضع البيض إلا في النخاريب المخصصة للشغالات لأنها هي اللازمة لتنفيذ الأعمال المطلوبة في الطائفة ولتقوم بتنشئة الجيل الجديد الذي سينشأ منه الخَلَف: الطرد، وكذلك لتقوم بجمع الغذاء اللازم للشتاء.

تبني الشغالات في هذه الفترة أقراص الشمع المحتوية على نخاريب الشغالات فقط، ولا تضع الملكة البيض إلا بها، وإذا ما صادفت نخاريباً ذكرية فإنها تمر عليها دون أن تضع فيها بيضاً، فالذكور غير لازمة للطائفة في هذه الفترة. ولكي يتحقق النمو المرجو في كل طائفة ولا يتعثر أو يتأخر، يجب أن تتوفر مجموعة من الظروف المواتية.

وهكذا تسير في هذه الفترة عمليتان متعاكستان ولكنهما متلازمتتين: الأولى قدم الشغالات التي أمضت فترة الشتاء وخروجها من العمل واقتراب ساعة موتها، والثانية خروج جيل جديد يجدد حياة الطائفة. وحسب محصلة هاتين العمليتين تتقرر حالة الطائفة ومصيرها: إما أن تنمو بسرعة وتقوى أو أن تضعف ولا تستطيع أن تنمو في الفترة القادمة.

كل يوم يخرج فوج أكبر فأكبر من الشغالات التي ترى الشمس لأول مرة فيزداد عدد الشغالات ويزداد الوزن الحي للطائفة. إذا ما كانت الطائفة دخلت الشتاء قوية وكانت الشغالات في معظمها من التي ولدت في آخرالخريف, فإن الطائفة تحتفظ بقوتها في الأسابيع الثلاثة الأولى بعد بدء نشاط النحل وطيرانه بعد التشتية.

تشمل غريزة التكاثر كل الطائفة وتصبح هي المسيطرة فقط عندما يتوفر في العش كمية كافية من العسل، عندها يتغذى النحل جيداً كما يغذي الحضنة والملكة جيداً ولا تظهر غريزة توفير الغذاء في الطائفة. لا تتوقف التغذية الغزيرة حتى في أوقات الطقس السيئ عندما لا تستطيع الشغالات الخروج لجمع الرحيق وغبار الطلع. كما أن النحل لا يخشى شيئاً على مستقبل خلفته عند توفر الغذاء بغزارة.

نشاهد لوحة مختلفة في الطوائف التي ليس لديها إلا القليل من العسل، في هذه الحالة لا تتحكم في نشاط النحل غريزة التكاثر ويبدأ النحل بتوفير الغذاء والتقتير على نفسه وعلى الحضنة، وبالتالي فإن النحل الفتي الناتج عنها يخرج ضعيف الحيوية, وليس نادراً ما يكون غير مكتمل التكوين. وفي هذه الحالة, إذا لم تستطع الطائفة إكمال احتياطيها من الغذاء وكان ما تجلبه منه يعادل ماتستهلكه, فإن الملكة تقلل كثيراً من وضع البيض، وإذا استمر هذا الوضع تتوقف عنه, ثم يبدأ النحل أولاً بإلقاء الحضنة المفتوحة خارجاً ثم بعد ذلك المغلقة أيضاً .ًً إذ تسيِر الطائفة وقتها غريزة الاقتصاد بالغذاء فقط والتي تدفعها غريزة حب البقاء أو حفظ الحياة.

هذا يحدث أيضاً عند القطف الجائر للعسل من قبل النحال خاصة في الخريف وعند تعرض الخلية للسرقة. أما إذا لم يكن تفادي ذلك بالإمكاف وانخفض احتياطي الغذاء في الخلية إلى الحد الأصغر (أقل من 8 كغ) فإنها تكون على وشك ظهور غريزة توفير الغذاء، وعندها يجب أن نلجأ إلى ما يسمى بالتغذية الإنعاشية.

مع بداية إزهار الأشجار المثمرة يكبر حجم العش. وبما أن الطقس أصبح دافئاً أكثر من السابق وتكون الطائفة قد أصبحت مكونة من شغالات فتية ونمت، فإنه يجري توسيع عشها بعدد كبير من الإطارات الحاوية خاصةً على شمع أساس. في هذه الفترة تبدأ الطائفة بعمل بيوت لتربية الذكور وتبدأ بالدخول في طور آخر جديد تتحكم به غريزة التوالد: التطريد.
التطريد هو وسيلة النحل للتكاثر. تسيطر غريزة التطريد على النحل ما أن تستكمل الخلية تحضيراتها من حيث كثرة أعداد الشغالات ومن حيث مخزونها الغذائي؟ وتختلف سلالات النحل عن بعضها من حيث ميلها للتطريد. كما تختلف بعض الخلايا من نفس السلالة عن الخلايا الأخرى من حيث ميلها واستعدادها للتطريد.

ما أن تقوى الطائفة التي أمضت الشتاء جيداً ثم أكملت احتياطيها من الغذاء وخاصة البروتين (غبار الطلع) الذي تستهلك جزأه الأكبر الحضنة، حتى تظهر فيها غريزة التطريد، كأنما هي قد وصلت لمرحلة النضج الجنسي، وأول مظاهر ذلك ظهور حضنة الذكور.
في المرحلة السابقة، عندما سادت غريزة التكاثر، لم تكن هناك حاجة للذكور بل للشغالات فقط، كما أن الطرد الأول الذي تخرج معه الملكة القديمة لا تلزمه الذكور لأنها تكون ملقحة. الذكور ضرورية للطرد الثاني وما بعده لأنه تخرج معها ملكات عذراوات. تتشكل هذه الطرود بعد زيادة عدد النحل من الحضنة التي تركتها الملكة القديمة.
تكون الرغبة في تنشئة حضنة ذكور لدى النحل في هذه المرحلة قوية جداً ولا يحد منها أي شيء حتى الألواح الشمعية الجاهزة التي تحتوي على نخاريب شغالات فقط، يقوم النحل بتحويلها إلى نخاريب ذكرية ويجهزها لوضع البيض الغير ملقح أو يبني قرصا بنخاريب ذكرية.

تضع الملكة البيض في النخاريب الذكرية، ولكن تبدأ كمية البيض التي تضعها في اليوم تقل لانشغالها بالبحث عن النخاريب الذكرية، لكن الشغالات تستمر في جمع الغذاء وتستمر الطائفة بالنمو. التغيير الوحيد هو ظهور وزيادة مساحة الحضنة الذكرية.

يستمر هذا الوضع عدة أيام يزداد خلالها حجم الطائفة كثيراً، وتكون هذه الزيادة في معظمها مؤلفة من شغالات فتية. عندها تختل النسبة بين عدد الشغالات المرضعة وكمية الحضنة 3 مرات عما سبق وتقل كمية الغذاء الملكي التي تفرزها لإطعام الحضنة عدة مرات عما سبق .

كذلك تقل كمية الغذاء الملكي التي تفرزها لإطعام الحضنة المفتوحة: يصبح عدد الأولى أكثر بـكثير فتحتفظ الشغالات بقوتها. كذلك فهي غير لازمة لصنع ألواح الشمع لأن الجيل السابق لها كان قد بنى العش وأكمله. وهكذا يحدث ازدحام شديد في الخلية يهيء للتطريد.

القفير المزدحم يحد من عمل النحل الجامع والممتلئ بالحضنة فلا يبقى فيه مكان لتخزين العسل، عندها تتسارع غريزة التطريد ويبدأ النحل ببناء بيوت ملكية ويجبر الملكة على وضع البيض فيها، وما أن يتم ذلك حتى يتغير العمل في الطائفة، لقد تشكل فيها طرد.
أكثر ما تظهر غريزة التطريد بشكل حاد وتشمل مناحل كاملة في سني الطقس الملائم وظروف الجني الجيد، وذلك في فترة نمو الطائفة: طقس دافئ وجني غير متقطع ولكنه ضعيف ومستمر. ورغم أن عملية التطريد تتيح للنحل الانتشار وتوسيع تواجدها على سطح الكرة الأرضية لملايين السنين، إلا أنه في تربية النحل تعتبر غير مفيدة.

تختلف سلالات النحل في مدى ظهور التطريد لديها، وتصادف في الطبيعة طوائف لا تطرد سنةبعد أخرى. في هذه الحالة تستمر مرحلة التكاثر هي المسيطرة لدى الطائفة إلى أن تبدأ النباتات بالإنتاج الغزير للرحيق، فتنتقل الطائفة عندها إلى مرحلة جمع الغذاء مباشرة ولا تمر بمرحلة التطريد.
ماأن يستقر الطرد في مكانه حتى تظهر عنده غريزتان: حماية القفير وجمع الغذاء. غريزة حماية القفير تبدو من ظهور نحل حارس سريعا على باب الخلية تدقق على من يريد الدخول فتمنعه إن لم يكن من أفراد الطرد.لقد تشكلت لدى الطائفة الجديدة رائحة مميزة خاصة بها.
وظهرت من جديد غريزة جمع الغذاء، فليس في القفير الجديد أي غذاء، وليس لدى نحل الطرد من غذاء إلا مافي بطونها. ولذلك تتأخر الملكة بالبيض حتى لو كانت ملقحة. تسعى النحلات بكل جهدها لجني الرحيق والطلع، فبانتظارها ظهور الحضنة وحلول الشتاء.
تستمر هاتان الغريزتان حتى حلول الشتاء واختفاء الأزهار في الطبيعة وبرودة الجو، فيتوقف النحل عن السروح. عندها تزداد حراسة القفير، فقد أصبح فيه مخزون من الغذاء الذي لم يعد بإمكانه جمعه. بل إنه لا يتورع عن سرقة العسل من خلية أخرى إن توفر له ذلك.

بحلول البرد يبدأ النحل بالتكتل والتجمع فوق الحضنة للحفاظ على الدفء. وكلما ازداد البرد ازداد تكتله وتدخل بعض النحلات في النخاريب الفارغة. قبل ذلك يكون النحل قد سد جميع الشقوق وضيق فتحة المدخل لمنع دخول الهواء البارد. كما أن الملكة تكون في وسط هذا التكتل حفاظا عليها.

يبدو حرص النحل على الغذاء من أنه يطرد الذكور منذ بداية البرد إن كانت لاتزال موجودة، وتقليل أو توقف الملكة عن البيض. بل إنه قد يقوم برمي الحضنة الغير مكتملة إذا قدر أن الغذاء لن يكفي، مثل أن يقوم النحال بالجني الجائر أو أن تتعرض الخلية للسرقة.

الطائفة الآن تعيش في هدوء الشتاء تسيطر عليها غريزة حفظ البقاء ولا تستجيب للمؤثرات الخارجية إلا في أضيق الحدود. في البلاد الدافئة والتي تسطع فيها الشمس ويدفأ الجو يستمر النحل في جمع الغذاء والبحث عنه وتخزينه. وفي البلاد الباردة يستشعر النحل ببدء طول النهار ودفء الجو في الربيع فيبدأ دورة حياته.

في كل الأوقات خلال حياته على مدار العام يتمتع النحل بمرونة كبيرة في عمله فيتصدى لتنفيذ العمل اللازم عند الحاجة، كأن يموت النحل السارح بسبب التعرض لمبيد سام فتنخرط النحلات الفتية للسروح وجلب مايلزم للطائفة من ماء ورحيق وطلع.

الدكتور طارق مردود
من كتابه "تربية النحل العملية".
تاريخ النشر         20 - 1 - 2016        
مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف * www.na7la.com * منذ عام 2007