موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب
الصفحة الرئيسية   المقالات   التصاميم   الصور   الأخبار   جمعية النحالين السوريين   اتحاد النحالين العرب
قـيـــل في الـنــحـــل أرسل لنا تعليقك على هذا المقال

وحي الله للنحل - تتمة


مـنــتـــصــر الـحـســـنــاوي

والنحـــل لا يُفسد الأرض التي يعيش فيها فهو لا يحفر الصخــور ولا يثقب الأشجــار ولا يعمل على قرض النباتات كما يفعل النمل والحشرات الأخــــرى. والنحل الكائن المستأنس الوحيد الذي لا ينقل أمراضه إلى الإنسان بل على العكس من ذلك يعمل النحــل من خلالِ منتجاتــه لاسيما اللســع[20] على زيادة المناعة لدى الإنسان[21].

و هو من أكفأ الحشرات في عملية التلقيح التصالبي الخلطــي لأشجار الفاكهة حيث يساهم النحل بنسبة تزيد عن 75% من عمليات التلقيح الخلطي للنباتات محققاً زيادة في الإنتاج كماً و نوعاً حسب نوع النبات أو المحصول ومساهماً بشكل فعال في الحفاظ على التنوع الحيوي الزراعي , فنحل العسل هو الملقح الأساسي لأكثر من 130صنف من المحاصيل في الولايات المتحدة وهو المسئول عن إضافة إضافة 15 مليار دولار سنويا للدخل قيمة المحاصيل التي يقوم بيلقيحها [22]وقد قدرت وزارة الزراعة الأمريكية أن حوالي ثلث غذاء الإنسان مشتق من النباتات الملقحة بواسطة الحشرات وأن نحلة العسل تشكل 80% من هذا التلقيح.

فأي إخلاص وأي عطاء وأي تضحية وأي إنجاز عظيم تقدمه هذه الحشرة الصغيرة للبشرية ؟ يقول كريس موريسون ) رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك ( بعد أن يستعرض وظائف الملكة والعاملات في خلية النحل" لا بد أن يكون هناك خالقا أرشدها إلى كل تلك الأعمال العظيمة التي تقوم بها بإتقان بديع"

ووصف الرسول الكريم (ص)

النحلـة بالأوصاف الحميدة ومثل المؤمن بها لأنها لا تأكُل إلا طيباً ....وهكذا المؤمـن لا يدخل إلى قلبـهِ إلا ما كان طيبــــاً ولا تضع إلا طيباً .... وهكذا المؤمن لا يخرج إلى العالم منه إلا المفــيد وإن وقعت على عودٍ نخر لم تكسره .... وهكذا المؤمن إذا رأى الفاسدين من الناس لم يكن من مقاصـدهِ إهلاكهـم لأنـه يأخذ النافــع منهم ويترك الفاســد ويرغب فـــي إصلاحهــــم . [23]

و قال الرسول (ص) مثل المؤمن كمثل النحلة إن صاحبته نفعك و إن شاورته نفعك و إن جالسته نفعك و كل شأنه منافع و كذلك النحلة كل شأنها منافع .[24] قال الصادق (عليه السلام) في حديث:«إنما أنتم في الناس كالنحل في الطير،لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقى منها شى‏ء إلا أكلته،و لو أن الناس‏علموا ما في أجوافكم أنكم تحبونا أهل البيت،لأكلوكم بألسنتهم و لنحلوكم [25] في السر و العلانية،رحم الله عبداً منكم كان على ولايتنا»[26].

ومن هنا جاء لقب أمير النحل للإمام علي (ع) و أمير النحل هنا المراد به أمير المؤمنين لأن مثل المؤمنين مثل النحل . و أما لقب يعسوب الدين أو يعسوب المؤمنين المتمثل بقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم : "عَليٌّ يَعْسُوبُ المُوْمِنِينَ".[27] وجاء في مجمع البحرين : اليعسوب أمير النحل و كبيرهم و سيدهم تضرب به الأمثال لأنه إذا خرج الأمير كوره تبعه النحل باجمعه،و معنى الحديث:يلوذون بى كما تلوذ النحل بيعسوبها و هو مقدمها و سيدها.[28] و في معجم المحيط :اليَعْسُوبُ مَلِكةُ النّحل وهي أنثى وكان العرب يظنّونها ذكَراً لضخامَتِها/ هو يَعْسوبُ قومِهِ، أي رئيسُهم وكبيرهم ومقدّمهم ج يَعَاسيببُ.[29] يَعْسُوبٌ - ج: يَعَاسِيبُ 1. : حَشَرَةٌ مِنْ فَصِيلَةِ الْيَعْسُوبِيَّاتِ، لَهَا أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ غِشَائِيَّةٍ، تَعِيشُ قُرْبَ الْمِيَاهِ الْهَادِئَةِ، تَصْطَادُ الْحَشَرَاتِ الصَّغِيرَةَ جَوّاً. 2."يَعْسُوبُ النَّحْلِ" : مَلِكَةُ النَّحْلِ. 3."كَانَ يَعْسُوبَ قَوْمِهِ" : أَيْ رَئِيسَهُمْ، كَبِيرَهُمْ، زَعِيمَهُمْ.[30]

قال الشارح المعتزلى: هذه كلمة قالها رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) بلفظين مختلفين،تارة :أنت يعسوب الدين و تارة:أنت يعسوب المؤمنين،و الكل راجع إلى معنى واحد،كأنه (صلى الله عليه و آله و سلم) جعله (عليه السلام) رئيس المؤمنين و سيدهم،أو جعل الدين يتبعه و يقفو أثره حيث سلك،كما يتبع النحل اليعسوب، و هذا نحو قوله (صلى الله عليه و آله و سلم) :«و أدر الحق معه كيف دار» [31] قال ابن الجوزى : ويسمى علي (ع) يعسوب المؤمنين،لأن اليعسوب أمير النحل و هو أحزمهم يقف على باب الكوارة كلما مرت به نحلة شم فاها،فإن وجد منها رائحة منكرة علم أنها رعت حشيشة خبيثة،فيقطعها نصفين و يلقيها على باب الكوارة ليتأدب بها غيرها،و كذا علي (عليه السلام) يقف على باب الجنة فيشم أفواه الناس،فمن وجد منه رائحة بغضه ألقاه في النار .,[32]

هناك عدد من الروايات حول هذه التسمية منها :
روي أنه وجد في غار نحل فلم يطيقوا به ، فقصده علي عليه السلام وشار منه عسلا كثيرا ، فسماه رسول الله صلى الله عليه واله أمير النحل و اليعسوب ، ويقال : هو يعسوب الآخرة ، وهذا في الشرف في أقصى ذروته ، واليعسوب ذكر النحل وسيدها ويتبعه سائر النحل[33] . و قيل انه عليه السلام كان غزاة فتقوى الكفار عليه و كان لهم نحل كثير فأوحى الله اليه اخرج لنصرة علي بن ابي طالب , فخرج و صار يلسع القوم حتى أهلكهم الله عز و جل و لذلك لقب علية السلام بأمير النحل يعسوب الدين.[34] بعد تتبعي لمعاجم اللغة القديم منها و الحديث و كذلك أراء المفسرين وجدت إن إجماعاً يؤكد دلالة لفظ يعسوب على ذكر النحل بوصفه قائداً و أميراً لخلية النحل و هو أمر أتاح لهذه اللفظة أن تتعدى خلية النحل لتطلق على كل من يتمتع بالقيادة و الأمارة بيد أني و بعد أن تابعت علمياً منظومة أعمال هذه الخلية بكل تفاصيلها التنظيمية و العلمية وجدت أن نظام مملكة النحل هو نظام اجتماعي مستمد من الوحي الإلهي لأنه ليس للنحل أمير أو سيد والذكور كما ذكر مسبقاً ليس لها عمل يذكر سوى تلقيح الملكات العذارى حتى إنها لا تملك القدرة على التغذية بمفردها لذلك تستعين بالشغالات لتغذيتها وهي لا تملك آله لسع للدفاع عن نفسها , أما الملكة فهي في الواقع أٌم النحل ومسؤولة عن وضع البيض وإفراز الفيرمونات التي تميز الخلية عن غيرها [35]وهي لاتحكم الخلية كما هو شائع فبمجرد الإحساس بكبر سنها أو ضعفها تجبرها النحلات العاملات على وضع البيوض في البيوت الملكية لإستبدالها , أما هجرة النحل فهي بالواقع لا تتبع الملكة فيها إنما تُقاد الملكة من قبل الشغالات .

أن اتخذي من الجبالِ بيوتآ ومن الشجرِ ومما يعرشون :

وهنا تحول الحديث عن النحلِ بقولهِ تعالى (وأوحى ربك إلى النحــلِ ) إلى الحديث بقولهِ ( أن اتخذي ) ( كلــي ) ( فاسلكــي ) لكي يظهر فيها الأعجاز اللغــوي العلمي إذ جاءَ الضمير مؤنثاً مفرداً لأن وحي الله للنحـل جعلهُ غريزة موروثة في كلِ نحلـةٍ على حدة فتعرف كل نحــلة عملها بمجرد نشأتهـــــــــا .
الطباطبائي : هذا من مضمون الوحي الذي أوحي إليه، و الظاهر أن المراد بما يعرشون هو ما يبنون لبيوت العسل.[36]
- إبن كُثير: من الجبال بيوتاً تأوي إليها ومن الشجر ومما يعرشون ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصهـا بحيث لا يكون فيها خلل [37] .
- البنبي :وهذا ما ذهب إليه أغلب المفسرون أي المعنى الظاهري البسيط للآية وكل ذلك معروف من قبل نزول القـــرآن بآلاف السنين مع العلم بأنَ ترتيب مساكن النحـــــــــل بالتعبير المذكـــور يفيد التسلسل المنطقي لنشــأة هذه الأماكن من حيث الأسبقيـــة والحجم والأصل حيث أن الجبال هي الأكبر حجماً والأسبق في الوجود , بل أن معظم الغابات توجد فوق الجبال , وكل ما يعرش الناس مصنوع أما من الأحجـــار وطمى الجبال أو من أخشاب الأشجـار وليس لهذا الترتيب السكني علاقة بجودةِ العســل الناتج مِن الأشجار , وأن كليهما أفضل من عسـلِ النحل الذي يسكن في الخلايا إذ أن العسـل وارد من رحيق الأزهار سواء من النباتات الزاحفة الرهيفة أو من الأشجار الباسقة الضخمة , وأغلبية النباتات الطبيــة ذات القيمة العلاجيـة الأعظـم صغيرة الحجم تنمو أما في الوديان أو على الجبــال .

وهذه الجملـة تتضمن إعجـازاً لغوياً وإعجـازاً علمياً يتضـح من الإجابــةِ علــى الإستفسارين التالييــن :
1- لماذا لم يستعمل حرف "في" بدلاً من حرف "من" عند ذكر بيوت النحــــــل
2- لماذا جاء الكلام عن النحـلِ في صيغة المؤنث بينما كان الأمر للنمـل مذكراً في
سورةِ النمـــــــــل ؟
إن نزول آيـة النحــــل بهذا التركيب الحرفي يدل على معجزةٍ لغويــة في هذهِ الجملة , ويدل على إنها جاءت من عِند العليم الخبيــــر, لأن معناها كبير لا يخطــر على عقلِ بشــر إذ يوجد من نحـــــــلِ العســـل أربعة أنواع : نوعان يقطنان داخل الجبال الخضراء والأشجار والخلايا ويمكن إسئناسها ونوعــان آخران يسكنان في طوائف على أقراص شمعية يلصقانها تحت الصخور البارزة من الجبالِ وتحت أفرع الأشجار ولا يمكن إستئناسهما بل يفضلان الحرية , وحرف "من" هو الذي ينطبق على كِلتا الحالتيــن , فما أروع القـــــــرآن وما أبلغة وسبحــان الذي أنزله .

فإذا أُستبـدل حرف "من" بحرفِ "في" مثلاً التي تفهم من معظــــمِ التفسيرات العربية وبعض الترجمات للغات أجنبية , فان الجملــة في هذهِ الحالة تنطــبق مع مسكـــن نوعين الأوليــن فقط , وإذا حذف حرف الجر تماماً من هذه الجملة , ففـي هــذه الحالة قد تعني أن النحــل يسكن في مكان من الجبالِ والأشجار والعروش ,كما تفعل جميع المخلوقات الأخرى من الإنســانِ والحيوانات التي تسكـــــن فوق أو تحت أو بداخـل الجبال والأشجـــــار وإذا ضاق مسكن النحـــــل فلا يوسعه عــــن طريقِ الحفــر الذي يسبب تلفاً في المكان وبـــــدلاً من ذلك يقرر التطريــد ، [38] حيث تقوم الكشافات (العاملات) بالبحث عن مكـان جديد للطائفة وعند تحديد المكان من قبل الكشافات يبقى البعض منهن في المكــــــان المحدد لحراسته وترجع الأُخريات للخليــة الأم لتقود الملكة مع حوالي نصف مجتمع النحل المحمل بالمئونة الكافية من العسل وحبوب اللقــاح والشمع إلـى المكانِ الجديد لتبدأ ببنـــــــاء خليتها الجديدة لتحل أحداها محلها في تأدية وظيفة وضع البيض و فرز الفيرمونات بين العدد الباقي من الشغالات في المكان القديم . وقد جاء الكلام عن النحل مؤنثاً في هذه الجملة وما بعدها لأن ما يقوم بجميع هذه الأعمال في طائفة النحل هي الشغالات (وهي إناث عقيمة ) ، وهي التي تُخرج من بطونِها المواد الشافية للناس .

ثم كلي من كل الثمرات :

قال السيد الطباطبائي : الأمر بأن تأكل من كل الثمرات مع أنها تَنزل غالباً على الأزهــار هو لأنها تأكل من موادِ الثمرات أو ما تتكون في بطونِ الأزهـار ولما تكبر وتنضـج . البنبي : أن النحــل لا يأكل من كلِ الثمرات حلوها ومرها لتتحول في جوفهِ إلى مادة حلوة كما كان الاعتقاد سائداً في التفسـيراتِ المعروفة فالنحــلِ لا يقترب من الثمارِ المرة والأشجار الصلدة بل لا يتمكن من أكلِ الثمار الحلـوة إذا كانت سليمة صحيحة لأنـه لا يستطيع أن يصيبها مهما كانت ضعيفة أو قشورهــا رقيقة , ولكن قد يتناول عصــارة الثمار الحلــوة إذا كانت مجروحـة بفعلِ الحشـرات الضارة أو مفـتحة بسببِ زيــادة نضجها وفي هذهِ الحالة ينتج عَســل غير مستساغ الطعم , أما الغذاء الطبيعي للنحـلِ فمن رحيق الأزهار وحبوب اللقاح فالرحيق يتحول إلى عســل وهو مصدر للطاقـة لما يحتويه من السكريات أما حبوب اللقاح فهي مصدر المكونات الحيــة الأخـــرى من بروتينات وفيتامينات ومعادن وأحماض أمينية , ومن المؤكدِ أن الرحيـق وحدة غير المقصود في هذه الجملـــة لأنه لا يوجد في كلِ النباتات أما حبوب اللقــاح فتدخل في تركيبِ جميع أنواع الثمرات, (...ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ....) [39] أي أن الثمــرات التي تنتجها جميع النباتات يدخــل في تكوينها خلايا ذكرية وأخــرى أنثوية فالخلــية الذكرية هي حبوب اللقاح والأنثوية هي بويضة الزهــرة ومن دقةِ التعبير القـرآنـي المحكم في آيــة النحـــل وفي هذه الآيــة الكريمـة أن سـبق ( كل الثمرات ) "من" الذي يعني ا لتبعيض لأن بعض أنواع النباتات لا تحتوي على خلايا ذكرية مثل العنب النباتي (عديمة البذور) وهي أنواع ظهرت كطفرات من أنواع النباتات البذريــــة .

فاسلكي سبل ربك ذللاً:

جاءت عدة تفسيــرات لهذه الجملــة منهـــــــــــا:
الطباطبائي :تعرية الأمر بالأكل المراد به رجوعها إلى بيوتها لتودع فيها ما هيأته مــن العســـل المأخوذ من الثمرات وإضافة السبل إلى الرب للدلالة على أن الجميع بالهام إلاهي [40]. الطبـري:يقول:فاسلكـي طرق ربك مذللــة لك والـذل :جمع ذلــول[41].
إبن كثـير:ثم أذن لها تعالى إذناً قدرياً تسخيرياً أن تأكل من كل الثمــرات و أن تسلك
الطرق التي جعلها الله تعالى مذللة لها أي مسهلة عليها حيث شاءت من هذا الجــــو العظيم و البراري الشاسعة و الأودية و الجبال الشاهقــة ثم تعود كل واحـدة منها إلى بيتها.... [42] .
الكاشـــاني :الطـرق التي ألهمك في عمل العســـل و ذللاً:مذللـة ذللهـا و سهلهـا لك[43].
د-محمد علي البنبـي:هذه الجملة بمفهومها الدارج من قدرة النحــل على الطيران في أجواء السماء تشير كثير من علامات الاستفهــــام :
-فإذا ذلك كان معناه حقاً ،فكيف تأتي بعد جملـــــة (ثم كلي من كل الثمــرات ) و المفــروض أن تسبقها ،لأن النحــل يطير باحثاً عن غذائهِ ثم يأكل منــه ؟ - لماذا بــدأت بحرف الفــاء الذي يفيــــد الترتيـب مـع التعقيــب؟ - لماذا لم تنسب كلمة السبل إلى لفظ الجلالة "الله"و إنما نسبت إلى ربِ النحـل أي خالـق النحــل ؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات تبرز إعجازا ًعلمياً كبيراً في أيةِ النحــل ،و تؤكد إنها ليست من تأليف البشر لأن المعاني التي وردت فيها في غاية الدقة ولم تعرف إلا منذ بضع سنيــن ، و حيث إنها نزلت منذ أربعـة عشر قرناً من الزمـــان ، فلابد أن تكــون موحات من عالــم الأســرار ،خالـق النحــل ،وخلاق الكـون كلــــه.
فوجود هذه الجملة فاصلة بين تغذية النحــل على الثمرات وبين إخراجه للسوائــل التي فيها شفاء للناس ،جعلت معناها بعيداً عن التفســير الدارج بأن تسـلك سبـــل الله بالطيران في السماء ،ولكنها أقرب إلى كونها سبلاً ممهدة لإخراج السوائل الشــافيــة من بطون النحل،لاسيما إنها تضمنت تعبير (سبل ربك) أي سبل الرب الذي خلق النحــل ،وذلك فيه تحديد بأن هذه السبل مخصصة للنحــل فقط،ولا يوجد مثلها في كائن سواه ، وهذهِ السبل يمكن أن تُفسَــر بأحد معنيين :

- المعنى الأول هو الطرق أي الممرات التي تصل بين معدة النحل وبين الغدد المختلفة التي تقوم بتحويـل الغذاء إلى السوائل الشافية المتعــــــددة .
- المعنى الثاني: الطرق (جمع طريقـة )أي التقنيات التي علمها الله للنحـــــل و ذللها له وغرسها في فطرته ، وأدخلها في غريزتـه لكي يحول غذائــه إلى أي من السوائل المختلفــة الشافيــــــة ،ومن البديهي إن هذه العمليات ينفذها النحل من خلال خلاياه الجسدية وهي سبل ربه أيضاً ، وما دامت فيها الروح كما جاء في قوله تعالى: ( قل الروح من أمر ربي ) فبعد موتها أو فقد الروح منها لا تصنع شيئاً، وإذا كانت السبل تعني الممرات يكون للفعل "اسلكي" مفعول به أول قبل "سبل ربك " ولكنه محذوف تقديره (ما أكلت) يعني اسلكي أي أمرري خلاصة ما أكلت سبل ربك لكي يخرج من بطونها (تلقائياً ) السوائل مختلفة الألوان كما جاء في قوله تعالى في سورة الزمر: ( ألم تر إن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ) أما تفســير المفهـوم لهذه الجملة بـــــأن المقصود منها أن النحـــــل يسلك سبل ربه ، أي يطير في جو السماء بعد أن يأكل الغذاء لكي يعود إلى خلاياه بدون أن يظل طريقه ،فلا يتواءم مع قوة هذه الآية ولا يتوافق مع وحي الله للنحل أي إكسابه قدرة تفوق قدرات كل الكائنات الأخرى ، حيث إن جميع الحيوانات مهما ضعف ذكاؤها تبحث عن غذائها وتعود إلى بيوتها دون أن تفقد طريقها ،ولو كان الله سبحانه وتعالى يقصد طيران النحل للبحث عن الغــــــذاء بقولــه:(فاسلكي سبل ربك ذللاً) لجــاءَ بها قبل جمـلة :(ثم كلي من كل الثمرات)ولِما جـاء بها فاصلة بين أكل الثمرات وإخراج ما فيه شفاء للنــــــــــاس .

وبدء هذه الجملة بحرف العطف "الفاء" التي تفيد الترتيب مع التعقيب يطابـق الواقع تماماً إذ إن النحـل بعدَ أن يأكل مباشرة يبدو ساكناً بدون عمل ظاهر بينما تعمل غدده على إفراز السوائل المطلوبة . وقد شكل الله من خلايا جسم النحلة أربع مجموعات من الغُدد لإنتاج السوائل الأربعة ، فيوجد النحل غذائه إلى أي منها تلقائياً لإنتاج السائل المطلوب ،ولا يوجد كائن حي أخـر له القدرة على تحويـــــل طعامـه إلى صور متعددة مـن المنتجات المختلفة كما يفعل النحـــل.

يخرج من بطونها :

البطون......كما يقال بطون العرب و بطون القبيلة الفلانية و في النحل تعني كل ما بطن من الغدد على وظيفة و أفراز و كل ما تخرجه النحلة يكون حين خروجه سائل في هيئة شراب و منه ما يبقى كذلك و منه ما يقسى مثل شمع النحل ومع إن كلمة النحل جمع تكسير مما اعتاد عليه العرب على تذكيره ، فان الضمير المنسوب إليه جاء مؤنثاً بقوله سبحانه وتعالى :(يخرج من بطونهــا) لأن أفراد النحــل التي تخرج المواد الشافية كلها شغالات (مؤنثة) ولم يعرف ذلك إلا فــي العصر الحديـث.[44]

شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس : ذهب معظـم المفســرين على أن الشـراب هو العَســــــــل:
قال السيد الطباطبائي : الشراب هو العَســـل مختلفَُ ألوانهُ ،شفاء للنـاس :من غالب الأمــــــــــــراض.
الطبري : وهو العســـل ، مختلفَُ ألوانـهُ ،لأن فيها أبيض وأحمر وأسحر وغير ذلك من الألوان[45].
ابن كثير :ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوانِ الحسنة على اختلاف مراعيها
ومأكلهــا منها وقوله "فيه شفاء للناس " أي العســـــــل شفاء للناس .....
الكاشـــــاني :يعني العســل فانه مما يشـرب مختلف ألوانــه ابيض وأصفر وأحمر وأسود فيه شفــاء للناس
أما الدكتور محمد علي البنبي:كان المفهوم من هذه الآية وما زال مفهوماً حتى الآن لدى جمهور المسلمين المثقفين منهم وغير المثقفين ، إن إعجازها الطبي ينحصر في إشارتها إلى أن العســـل فيه شفاء للناس ، ولكن أين الجديد في هذه الآية إذا كانت جميع الأديان السماوية و غير السماوية تنصح أتباعها بالتداوي بالعسـل ،بل إن أوراق الطب المصرية القديمة التي كتبت قبل نزول القرآن بآلاف السنين أخذ العسل فيها دوراً متميزاً كعنصر شفائي ووصف بأنه شــــراب الآلهــة , وفي كتب الطب القديمــــة الروسيـة والصينيـة والهنديـة نسب إلى العســــــــل كثير من المزايا العلاجية , وفي الولايات المتحدة الأمريكيــة ذكر عن الطب الشعبي للهنود الحمر عشرات الوصفــــات أخذ العســــــــــــــــل فيها مركز الصدارة ....

هيهات .. هيهات ... إن ما جاء في هذه الآية يفوق ذلك بكثير , ويظهر إعجاز القرآن العظيم. إن آية النحــل تضمنت في المجال الطبي تعبيرين لا تعارض فيهما مع المعلومات الواردة بالكتب السابقــة ولكنهما وردا بأسلوب يتضمن كل التغييرات والاكتشافات التي سيتوالى ظهورها حتى اليوم القيامـــــة , وهما:
(أولاً) عدم ذكر "العسـل" صراحة في هذه الآية مع أنه هو المفهوم منها ضمنياً.
و ( الثاني ) ذكر "شفاء الناس" مطلقاً بلا حدود , ومن هذين التعبيرين يفهم أن العسل ليس وحده الذي يخرج من بطونِ النحل وفيه شفاء للناس , وأن الأمراض التي تشفى بواسطة منتجات النحــل تتعدى كل الحدود .

وبالرغم مع أن العسل في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستعمل إلى في علاجِ بعض الإرتباكات الهضمية , بينما كانت كثير من الموادِ الطبيعية والنباتات الطبية تستعمل على نطاق واسع , كل منها في علاج أحد أو بعض الأمراض التي كانت تعرف آنذاك , وتدل أيضاً على قدرة الخالق , فلم يذكر في القرآن شيئاً منها , لأن لكل منها تأثيراً علاجياً لعدد محدود من الأمراضِ لا يقارن بالمجال الواسع الشـافي للعســل , الذي ظهر في العصر الحديث , ولمنتجات النحــل الأخرى التي لم تعرف إلى منذ بضع سنين , مما يكسب هذه الآيــــة إعجازاً علمياً وطبياً يتناسب مع بـدءها بوحي الله للنحـل وختامها بأن فيها آيةً لقوم يتفكـــــــــــرون .

وبالإضافة إلى ذلك , فأن آية النحـل هي الآية القرآنية الوحيدة الذي ذكر فيها شفاء الناس منسوبا إلى شيء مادي , حيث نسب الشــفاء فيها إلى ما يخرج من بطــــون النحــل , بينما لا يذكر الشفاء إلى في ثلاث آيات قرآنية أخر وفــيها نسب إلى القـــرآن الكريم نفســــــه كما يلي:

  1. ( لقد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور )[46]
  2. ( ونزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )[47]
  3. ( ولو جعلناه قرآنا أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمى وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )[48]

ولقد جاء في هذه الآيات الثلاث أن القرآن هدى وشفاء ورحمة , والمقصود بالشــفاء بهِ طبعاً شــفاء النفــوس والأرواح مِن الأمــــراض الإنسانية كالكفـر والحقـد والحســـــد والجشــع والأنانية وغيرها ... مما تسبب القلق للإنسان وتصيبه بالأمراض النفسيــة والجسديــــــــــــة .

أما المقصود من آية النحــــل " والله أعلم " فهو شفاء الأبدان عن طريق التــــداوي بمنتجات النحــل المتعددة وليس بالعَسل وحده , إذ لم يذكر العســل صراحة بأنه هـو الذي يخـرج من بطـونِ النحــل أو بأنه هو الذي فيه شــفاء . إذ تخــــرج من بطون شغالات النحـل سوائل متباينة الألوان بالإضافة إلى العســل : وهي الغذاء الملكي الذي تطعم به صغارها وملكاتها , والسم الذي تلدغ به أعدائها دفاعاً عن بيوتها , والشمع الذي يخرج من بطونها سائلاً أيضاً ويتجمد بمجرد تعرضه للهواء لتبني به أقراصها , علاوة على المــواد التـي تجمعها من النباتات , وتضيـــف إليها مواد مــــن إفرازِهــا لكي تستعملها أثنـــاء حـياتهـــا مثل حبــوب اللقـــاح التي تختَـزِنها للتغذيــــة منهـا ،والمادة الصمغيـــــة المسمـاة العَكبر ( PROPLIS ) أي مادة البناء الأولية التي تستعملهــــا فـــي تضييقِ مداخل خلاياهــــا حتى لا تدخلها التيارات الهوائيــة ، وفي لصـقِ الأقراص والإطارات حتى لا تهتز عند هبوب الرياح القوية ،وقد ثبت في العصر الحديث إن لجميعِ هذه المواد العديد من الفوائد العلاجيــة[49] ،وفي كل ذلك دليل على إعجــاز هذه الآية التي تضمنت حقائــق ظلت كامنة حوالي أربعة عشر قرناً من الزمان ثم ظهرت في العصرِ الحديـــث .

ومن عجائبِ القدر

أن من أكدَ هذه الحقائق علماء من غيرِ المسلمين ،بل إن أكثـــــر البحوث التي أثبتت القيمة العلاجية لمنتجاتِ النحــل أجريت في مستشفيات الــدول الشيوعيــة التي تنكر وجود الإله ،ومِن ثقتهم بنتائج البحوث وفوائدها للإنسانية أن أقيم في بوخارست برومانيا عام 1975 أول مركز طبي عالمي متخصص للاستشــفاء بواسطة منتجات النحل ،وتردد عليه في العام الأول لإنشائه أكثر من (12000)مريض وتزايدت أعدادهم سنوياً بإضطِراد ، وتقام في هذهِ المستشفى دورات تدريبية للأطباء والكيماويـين والمتخصصـين بالتغذية على استعمالِ منتجــــــاتِ النحـــل في العــلاج[50] ، وأقيمت مراكز طبية مماثلــة في روسيــا والصين واليابان –كأن الله سبحانه وتعالـى يثبت على أيدي أشد الناس عداوة للإسلام ،بأنه هو الخالق العالم بأسرار الحياة قبل أن يكتشفها العلماء ،وان القـرآن الكريـم حقاً من عندهُ سبحــانه وتعـالى وقد حفظه بألفاظهِ وتعبيرهِ ،ولم يسمح بتداولهِ بلغةٍ غير العربية لكي لا ينحرف تفسيره حتى تتأكد حقيقته كما وصف بقوله :(كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير )

إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون:

خُتمت آية النحــل بأن إعجازها لن يظهر إلا بالتعمق والتروي في التفكـير ،إذ إنها تبدو سهلة وبسيطة إذا قرأناها قراءة سطحيــة ،ولكنها تتطابق تماماً مع المعلومــاتِ التي عرفت حديثاً عن النحـــــــل ولم تكن معروفة في زمـن نـزول القرآن على سيــد المرسلين و يتضح من ذلك إن هذه الآية معجــزة تدل على إنها من عند الله العليــم القدير بالإضافةِ للإلهام الذي وهبه سبحـانه وتعالـى للنحــل لينـتج لنا سوائــل متعددة فيها شفاء للناس ، لنكتشف كل يوم سراًّ من أسرارها أو لغزاً من ألغازها، فهي وإن كانت من أصغر المخلوقات حجماً، وأضعفها بنية، إلا أنها الأكثر عطاء والأكثر تأثيراً في حياة الإنسان.

فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمدلله علي نعمة القرآن‏,‏ والصلاة والسلام علي النبي الخاتم الذي تلقاه وعلى آله ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وصدق الله إذ قال :(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين(23)فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين(24)صدق الله العظيم.

---------------------------------

الإحــالات في الـنـص:

[20] علماً إن النحلة تموت عند اللسع لخروج آلة اللسع من جسمها فهي تضحي بنفسها من أجل حماية الطائفة
[21] إن نسبة التسرطن بين النحالين منخفضة للغاية فهي ( 3 بالمليون)بينما ترتفع فيبقية المهن إلى عشرة أضعافها فعلى سبيل المثال تصل النسبة إلى (2-3 لكل مائة ألف)بين الأطباء والخبازين.
[22] / By Kim Kaplan – USDA 2007- 9 – 6
[23] أخرجه احمد في مسنده , وأبن داوود , وابن الأثير في النهاية ج 5 ص29 مادة النحل .
[24] سفينة البحار
[25] نحله القول كمنعه نسبه إليه،و نحل فلانا:سابه و في بعض النسخ (نجلوكم) بالجيم،و في القاموس نجل فلانا،ضربه بمقدم رجله و تناجلوا:تنازعوا.هامش اصول الكافى ج 2 ص 218 ذيل الحديث.
[26] اصول الكافى ج 2 ص 218 و البحار عنه ج 24 ص .112
[27] أخرجه الديلميّ من حديث الحسن وابن عساكر من حديث سلمان وابن عباس كذا في زيادة الجامع الصغير للسيوطي / فصل في أشياء لم تدخل في الحروف .
[28] مجمع البحرين ج 2 ص 121 مادة عسب.
[29] معجم المحيط ل أديب اللجمي – شحاذة الخوري : مادة / عسب
[30] المعجم الغني / الدكتور عبد الغني أبو العزم مادة /[ع س ب]
[31] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 19 ص .224
[32] تذكرة الخواص ص .16
[33] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - - ج 35 ص 56 / عن مرتضى علي الباشا/ أمير النحل
[34] نزهة المجالس عن معجم حياة الحيوان عند أهل البيت ص 328
[35] أعلن Butler سنة 1958 م أن الشغالات تميز وجود الملكة برائحتها
[36] الميزان في تفسير القرآن / تفسير سورة النحل
[37] تفسير أبن كثير – تفسير سورة النحل
[38] محمد علي البنبي ,تأملات في أية النحل
[39]سورة الرعد آية 3
[40] الميزان في تفسير القرآن – تفسير سورة النحل
[41] تفسير الطبري – تفسير سورة النحل
[42] تفسير ابن كثير – تفسير سورة النحل
[43] الأصفى في تفسير القرآن – تفسير سورة النحل ص445
[44] جاء في الكتاب الشهير ( المملكة الأنثوية ) لمؤلفه charls batler عام 1609موالذي عرف لأول مرة أن الملكة أنثى وميزت الذكور .
[45] أسحر ألوان مختلفة مثل أبيض يضرب إلى الحمرة
[46] آية 57 من سورة يونس
[47] آية 82 من سورة الإسراء
[48] آية 44 من سورة فصلت
[49] يطلق على العكبر (البروبليس ) بنسلين روسيا لكثرة إستخدامه في تلك المناطق
[50] أما في العالم العربي فقد أقامت جامعة السويس مستشفى العريش (في مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء ) للعلاج بمنتجات النحل ونجحت بعلاج الحالات التي تقدمت لها بنسبة 70% .

مـنـتــصــر الـحـســـناوي

جميع الحقوق محفوظة لموقع نـحـلــة © www.na7la.com      2007-2008