موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب
   الصفحة الرئيسية           المـقـالات           الأخـبــار           الــصـــور           منتدى النحالين العرب   
آفات النـحــل
عـلــة اختـفاء النـحـل CCD

Colony Collapse Disorder
نرحب بالمقالات والتقارير والأخبار والصور

النحل بين البقاء وسر الاختفاء

الأستاذ الدكتور مزاحم أيوب الصائغ
استاذ علم النحل
كلية الزراعة والغابات /جامعة الموصل
الموصل /العراق
((نقلاً عن موقع نحلة www.na7la.com بإدارة الدكتور طارق مردود))

1- لقد أفرد الله تعالى سورة كاملة في القران الكريم باسم سورة النحل ((ا وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ))(69). واختصت الآيتان بتوضيح أهمية النحل للبيئة والنبات والحيوان والمحصلة النهاية هو الإنسان في غذائه وصحته. قال تعالى ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) البقرة : 29). والأصل في خلق الله تعالى لهذا الكون هو الميزان حيث قال تعالى: ((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بقَدَرٍ)) القمر 49. وقال أيضا: ((وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)) الرحمن: 9. إلا أن الإنسان مع الأسف الشديد, بواقع التطور المدني، أحدث خللاً كبيراً في هذا الميزان الذي سنّه الله تعالى وأمر بالأخذ بأسبابه في هذه الدنيا كي يسعد بها ويعيش سليماً ومعافى، ولكنه ذهب بعيداً فأحدث الفساد في البر والبحر فقال تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) الروم:41.

2- ولعل من أخطر أنواع الفساد في الأرض هو القضاء على الأمم الحية الأخرى التي تعيش جنباً إلى جنب مع الإنسان وتشكل جزءاً مهماً من منظومة حياته الحيوية؟. ماذا سيحصل لو استيقظنا يوماً ولاحظنا غياب الطيور والحيوانات الأخرى إلى جانب الحشرات جميعاً؟. قال تعالى: ((وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون ، الأنعام: 38)). ولعل من أهم الكائنات الحية التي خلقها الله تعالى هديةً منه لديمومة حياة الإنسان هو النحل.

3- يعد النحل عامة أهم ملقّح على سطح الأرض لفواكهنا وخضرنا وزهورنا ومحاصيلنا المستخدمة كعلف للحيوانات عامة، ولعل أهمها الجت والبرسيم.
 
 
فأكثر من ثلث الإنتاج الزراعي العالمي يعتمد على تلقيح النحل، والنحل لا يلقح محاصيلنا لأنه يريد ذلك، بل هو مقدر عليه ذلك من الله تعالى بفطرته كي يحصل منها على غذائه من خلال زيارته للأزهار. قال تعالى: (( ثم كلي من كل الثمرات )). ومعلوم أن الزهرة تمد النحلة بغذائيها الأساسيين :

• حبوب اللقاح: عضو التذكير في الزهرة، والتي تمده بجميع الاحتياجات الغذائية الأساسية كالبروتين والدهون والفيتامينات والعناصر الكبرى والصغرى والأنزيمات وغيرها لبناء انسجة الجسم في مراحل التطور المختلفة.

• والرحيق: المادة الكربوهيدراتية الجاذبة التي تنتجها الأزهار لجذب الحشرات عموماً والنحل بشكل خاص لتزويدها بالطاقة اللازمة لإنجاز مختلف الفعاليات الحيوية داخل وخارج الطائفة.
وكلما انتقل النحل من زهرة لأخرى ومن حقل لآخر قدم لنا خدمة تلقيح المحاصيل والمزروعات الثمينة.

4- في أماكن أخرى من العالم، حيث لا وجود للنحل أو وجود النباتات التي تجذبه لزيارتها من أجل التلقيح. عادة ما يتم استئجار عمال ليقوموا بمهمة التلقيح يدوياً وخاصة في البيوت المحمية. حيث يقوم العمال بتلقيح زهرة تلو أخرى بواسطة فرشاة ناعمة، إذ أصبحت عملية التلقيح اليدوي أمر جاري العمل به.أو أن يقوم مزارعوا الطماطة (البندورة) بتلقيح زهورها بواسطة آلة التلقيح الهزازة، فهي الة ترفع من فعالية التلقيح، لأن حبوب اللقاح الموجودة في زهرة الطماطة محفوظة بشكل جيد في الجزء الذكري من الزهرة، ألا وهو المتك، والطريقة الوحيدة لإطلاقها هو هزها بقوة.

5- يعتبر النحل الطنان واحدة من الحشرات القليلة في العالم والقادرة على هز الزهرة عندما تحط عليها، وتقوم بذلك من خلال هز عضلاتها بتردد صوتي يماثل النغمة الموسيقية، مما يطلق حبوب اللقاح بشكل فعال فلتلتصق بجميع جسم النحلة وعلى الشعر الكثيف المغطي للجسم لتأخذه وتنقله إلى مسكنها لتستخدمه كغذاء.

واليوم يضع مزارعوا الطماطة مستعمرات النحل الطنان داخل البيوت المحمية لتلقيح الطماطة من أجل زيادة الإنتاج وتحسين نوعيتها قياساً بتركها للتلقيح الطبيعي.

6- هناك أسباب مهمة تدعونا للاهتمام بالنحل عامة، فهناك أكثر من 20-25 ألف نوع من النحل مسجلة في العالم، وهي من الروعة والجمال ما يثير الدهشة والفضول لدى العلماء لدراستها، إذ يقضي الجزء الأكبر منها دورة حياته في الأرض أو في تجاويف جذوع الأشجار أو في البرية على الصخور.

7- لكن القليل من تلك الأنواع الجميلة تعيش في نظام اجتماعي دقيق وبوحي من الله تعالى، وأهمها على الإطلاق نحل العسل والذي يلعب الممثل الرسمي لأكثر من 24 ألف نوع آخر من النحل، فقد جذب نحل العسل انتباه البشرية منذ بداية تدوين التاريخ، وغالبا من اجل جني عسله والذي استخدم في التحلية فترة طويلة من الزمن قبل اكتشاف السكر.

8- الشخص الذي يعمل مع النحل يحبه وكأنه فرد من أفراد أسرته، لا بل يحاول جاهداً أن يقلد النحل في سلوكه الراقي جداً في دقة العمل اللامتناهية ومتابعة مستمرة دون كلل أو ملل، وهو مصداق لقوله تعالى في نهاية آية النحل 69: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )).

ويمكن اعتبار نحل العسل أحد أفضل المجتمعات الحشرية رقياً، حيث تكون الطائفة بمحتوياتها مجموع الأعضاء، والتي تتالف من عدد من الأفراد يصل تعدادها في موسم الربيع وبتوفر الظروف البيئية الملائمة 120 ألف فرد حيث لا وجود للدكتاتورية أو السلطوية أو المركزية في هذا المجتمع، ملكة واحدة وعشرات الالاف من الشغالات مع وجود أو غياب الذكور.
 
 
فالفرد في خدمة المجموع والمجموع في خدمة الفرد، فلا تكاسل أو تهاون بالعمل حيث أن آلية توزيع الأعمال منظم بطبقات حسب الأعمار وتناقل المعلومات داخل وخارج الطائفة في دقة متناهية وتحديد أماكن الأزهار وسلوكياتها الاجتماعية الجماعية مليئة بالإثارة.

9- فرغم عملي مع النحل مدة تزيد عن 38 سنة إلا أنني في كل يوم أكتشف معلومة جديدة تولّد لدي انطباع أنني لا أعرف أي شيء عن هذا العالم العجيب. ولعل أهم وأروع ما يشد انتباهنا ويستحوذ أنظارنا ويأخذ لبّنا هو نظام الصحة الاجتماعية الذي يمتلكه النحل.

نعم، النحل لديه نظام رعاية صحية مثالي ومنظم, وهو ما يعرف بالسلوك الصحي في نحل العسل. فمثلاً، كل 2500 نحلة يوجد بينها 10 شغالات متخصصة بتنظيف غيرها من الأفراد من الأوساخ العالقة بأجسامها وأن كل نحلة منظفة تقوم بتنظيف 26 نحلة في مدة 25 دقيقة، كما أن أنها تقوم بتحديد الأفراد المريضة ومن ثم طردها خارج الطائفة من أجل سلامة صحة الطائفة.
 
 
10- منذ عدة سنوات تم اكتشاف أن النحل يجمع من براعم الأوراق والأزهار وقلف الأشجار مادة صمغية يعالج بها أمراضه، فعند حاجته إلى هذه المادة لأي غرض داخلي تطير الشغالات السارحة إلى تلك الأشجار وتقوم بقشط وجمع المادة الصمغية ونقلها إلى الخلية وتثبتها في المكان الذي تحتاج إليه في عش الحضنة، وهذه المادة تسمى العكبر أو البروبولس, والذي يعتبر مطهر طبيعي أو مضاد حيوي غير متخصص، فهو يقتل البكتريا والفايرس والفطريات وغيرها من جراثيم الكائنات الممرضة التي يمكن أن تتواجد داخل الطائفة وهذا ما يعزز صحة الطائفة ويحصنها اجتماعياً.
 
 
11- عرف الإنسان الأهمية الصحية للعكبر منذ أن تعامل مع النحل على عهد الفراعنة والآشوريين والبابليين وقاموا باستخدامه وخاصة في التحنيط. ولا زال العلماء منهمكون في دراسة دوره المهم لنحل العسل. فالنحل يمتلك أحد الوسائل الدفاعية الطبيعية المذهلة والتي مكنته من الصمود سليماً صحياً منذ ما يزيد عن الـ 50 -100 مليون سنة.

12- منذ عام 2007 بالتحديد, والتقارير العلمية تتحدث عن موت وهجرة ملايين الطوائف وغيابها بشكل كبير وواسع وفي كثير من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكثير من دول أوربا،
 
 
والظاهر أن هناك خطأ ما قد حدث، وبفطرتنا الطبيعية لا يمكننا أن نتقبل غياب النحل من الطبيعة أو البيئة.

سؤال : ما الذي يجري حقاً؟
النحل يموت نتيجة أسباب مركبة ومتداخلة ومعقده وقد أجمل بعضها العلماء بالآتي:
أ- الظروف البيئية المحيطة وظاهرة الانحباس الحراري.
ب- شبكات الاتصالات المختلفة التي ترسل حزمها عبر الغلاف الأرضي.
 
 
ج- النباتات المحوّرة وراثيا.
د- طريقة الزراعة والاعتماد على الزراعة العمودية المتخصصة بزراعة محصول رئيسي واحد.
هـ- الآفات والأمراض التي تصيب نحل العسل, ولعل أخطرها على الإطلاق حلمة الفاروا المدمره.
و- المبيدات على اختلاف أنواعها وتراكيبها واستهدافها للكائنات المختلفة. وسوف نحاول إلقاء الضوء على أهمها تباعا.
خلاصة القول : أن موت النحل وانقراضه سينعكس على المناظر الطبيعية بغياب الأزهار منه وبالتالي حدوث خلل في النظام الغذائي للإنسان. 13- حقيقة أن النحل بدأ بالانهيار التدريجي منذ الحرب العالمية الثانية. فمثلاً في أمريكا انخفض فيها عدد الطوائف من 4.6 مليون طائفة عام 1945 إلى مليوني طائفة عام 2013، وقد بطبيعة الحال ينطبق كما اسلفنا على اغلب بلدان العالم ومن ضمنها العراق . حدد العلماء مجموعة من الأسباب لذلك منها:

• مثلا بعد الحرب العالمية الثانية حصل تغيير في الممارسات الزراعية، حيث تم التوقف عن زراعة المحاصيل المغطية للأرض مثل الجت (الفصة) والبرسيم, وهي المحاصيل المخصبة للتربة طبيعياً من خلال قيامها بعملية تثبيت النتروجين في التربة وبوشر بالاعتماد على الأسمدة الكيميائية، والجت والبرسيم يعتبران من المنظومات ذات القيمة الغذائية العالية لنحل العسل .
 
 
• تم تطبيق استخدام المبيدات لمكافحة الأدغال في الحقول, حيث أن العديد من هذه الأدغال هي نباتات مزهرة والتي يحتاجها النحل للبقاء على قيد الحياة.


 
 
• تم اعتماد الزراعة العمودية والتوسع فيها بشكل كبير جداً, والتي تتمثل بزراعة محصول رئيسي واحد في رقعة زراعية كبيرة.
 
 
نتحدث الآن عن مفهوم صحارى الغذاء، ويمكن مقارنة ذلك عندما تخلو أماكن في مدننا وضواحيها بعيدة عن المركز من محلات البقالة، فالحقول التي كانت تستخدم لديمومة حياة النحل تعتبر الآن صحاري زراعية بالنسبة لنحل العسل، إذ المهيمن عليها نوع أو نوعين من المحاصيل مثل الذرة أو فول الصويا.
• بعد الحرب العالمية الثانية قام الإنسان, وبشكل منهجي, بالقضاء على عدد كبير من النباتات المزهرة التي يحتاجها النحل لبقائه، بل إن تلك الزراعات الأحادية المحصول امتدت لتشمل النباتات المفيدة لنحل العسل مثل اللوز.
14- مثلاً, قبل 50 عاماً كان النحالون يضعون بعض المستعمرات من النحل في بساتين اللوز في ولاية كاليفورنيا المشهورة بزراعة اللوز من أجل تلقيح أزهاره، إذ أن حبوب اللقاح لأزهار اللوز غنية جداً بالبروتين وهو أمر مفيد للنحل، أما اليوم, ونظراً للتوسع الكبير في زراعة المحصول الوحيد من اللوز, فإن الأمر يتطلب نقل معظم النحل في أمريكا إلى هذه المزارع, والذي يتجاوز 1.5 مليون خلية نحل عبر البلاد لتلقيح هذا المحصول فقط, حيث يتم نقل النحل بواسطة عربات نصف مقطورة. وبعد انتهاء موسم التلقيح يتم إعادتها إلى أماكنها، لأنه بعد فترة انتهاء التزهير تتحول بساتين اللوز إلى أرض شاسعة من الأشجار وخالية من الأزهار.
 
 
منذ أكثر من 50 سنة يموت النحل تدريجياً رغم التوسع الكبير في زراعة المحاصيل الضرورية لسد الاحتياجات الغذائية للإنسان والتي ازدادت بمقدار 300 بالمئة والتي تحتاج إلى النحل لتلقيح أزهارها.
 
 
15- وجود المبيدات : فبعد الحرب العالمية الثانية بوشر باستخدام مختلف أنواع المبيدات بشكل واسع ومكثف, وذلك بسبب زراعة مساحات واسعة بمحصول واحد والتي توفر مرتعاً خصباً للحشرات الضارة بالمحصول.
 
 
أغلب دول العالم بدأت تراجع نفسها باستخدام المبيدات وتاثيرها السلبي على البيئة والإنسان والحيوان، ففي أحدث دراسة أجريت في جامعة في جامعة بنسلفانيا الأمريكية درس مجموعة من الباحثين برئاسة العالمة مارلا سبيفاك آثار المبيدات الموجودة بحبوب اللقاح والتي ينقلها النحل إلى الخلية كغذاء. حيث اكتشفوا آثار ستة أنواع من المبيدات بجميع عينات حبوب اللقاح التي جمعها النحل من الحقول المستهدفة بالدراسة, وكان بضمنها مبيدات حشرية ومبيدات أدغال وأخرى فطرية، وحتى المركبات الخاملة والتي تدخل في تركيب المبيد وتحمل علامات تظهر أن مركباتها ليست جزءاً من مكونات المبيدات، يمكن أن تكون سامة أكثر من المواد الفعالة نفسها، هذه النحلة الصغيرة تحمل مرآة عاكسة كبيرة عن مدى التلوث الكبير الذي حصل في بيئتنا التي نعيش فيها؟.
ولنسال سؤالاً أكثر وضوحاً: يا ترى كم هو الزمن اللازم والمتبقي لكي يصل التلوث إلى الإنسان؟.
 
 
16- حدثت ضجة كبيرة حول العالم هذه الأيام حول انتشار نوع من المبيدات والتي تسمى Neonicotinoids. هذا النوع الجديد من المبيدات هي مبيدات جهازية تتحرك عبر النبات لتصل الأوراق وأجزاء النبات الأخرى، وحين تاتي الحشرة لتتغذى على الجزء النباتي المعين فإن الحشرة ستتناول الجرعة القاتلة وبالتالي سوف تموت.
 
 
في حالة تطبيق مثل هذه المبيدات بتركيز عالي في التربة لمكافحة مختلف الآفات، يكفي ذلك كي تتحرك مركباتها في النبات وتصل إلى حبوب اللقاح والرحيق، حيث يصل النحل إليها لنقلها واستهلاكها. وفي مثل هذه الحالة فإن جرعة عالية من تلك السموم العصبية تكفي لتصيب النحل بالتشنج والموت المباشر.
 
 

17- معظم المؤسسات الحكومية المسؤولة عن عمليات الاستزراع والشركات الزراعية المنتجة للبذور وحتى المزارعين الكبار يقومون بتعفير بذورهم بالمبيدات لتغليفها بطبقة من أجل حمايتها من الآفات التي تستهدفها، عليه فإن تركيزات بسيطة ستتحرك خلال أجزاء النبات وتصل بالتالي إلى حبوب اللقاح والرحيق، وفي حال تناول النحل هذه الجرعة المنخفضة، إما أنه لا يتأذى، أو أن النحلة ستصاب بنوع من التسمم وتصبح مشوشة ولن تتمكن من التعرف على طريقها للرجوع إلى خليتها. 18- وعلى رأس جميع الأمور الأخرى فإن النحل يصاب بعدد كبير من الأمراض والطفيليات، ولعله أشدها خطورة على نحل العسل هو حلمة الفاروا دستركتر، وهي إسم على مسمى, وهذا هو حجمها وشكلها، هو طفيلي يمتص دم النحلة في أطوارها المختلفة مما يؤدي الى تدمير الجهاز المناعي للنحل, كما أنه يسهم في نقل العديد من الأمراض الفيرسية للنحل.
 
 
لنقرب الصورة لكم بشكل أوضح، أنا لا يمكنني أن أشعر بما تشعر به النحلة حين يلتصق بجسمها عدد من المتطفلات وتمتص دمها حيثما انتقلت على جسم النحلة، كما لا يمكننا أن نشعر بإحساس النحلة عندما تصاب بمجموعة من الفايروسات والبكتريا والفطريات الممرضة لها، ولكن بالتأكيد يمكننا أن نحس بما تحس به النحلة عندما يصاب أحدنا بفيرس الأنفلونزا مثلاً، كما يمكننا أن نشعر بإحساس محبط حينما نتوجه الى أحد محلات البقالة والمواد الغذائية للتسوق ونجد المحل مقفلاً مثلاً, أو خاوياً من البضاعة؟.
ولكن ماذا لو أني سكنت أو عشت في صحراء غذائية؟، أو مفروض علي أن أسافر إلى مسافة بعيدة جداً للوصول إلى محلات البقالة من أجل التسوق, وبعد أن ضعف جسدي بما فيه الكفاية تناولت غذاء فيه ما يكفي من المبيدات العصبية التي يمكن أن أحملها معي إلى البيت؟. وهذا بالتحديد ما نعني به الأسباب المتداخلة المركبة والمضاعفة المؤدية إلى الموت.
 
 
ليس نحل العسل وحده هو المستهدف ولكن جميع أنواع النحل الأخرى الجميلة هي عرضة للخطر وبضمنها النحل الطنان المهم جداً في تلقيح الطماطة؟. فأنواع النحل هذه تعتبر الخزين الاحتياطي لنحل العسل، فهي الضمان الاكيد لتامين تلقيح مختلف المحاصيل إلى جانب نحل العسل.
 
 
نحن بني البشر نحتاج النحل من أجل أن نبقى أحياء على سطح الأرض. قال العالم أينشتاين: (( لو أن النحل انقرض من على سطح الأرض, فإن الإنسان سينقرض بعده خلال أربعة سنوات )).
 
 

 
 
ما الذي يجب أن نفعله تجاه هذه المشكلة الكبيرة التي خلقناها لنحل العسل؟, وكما بيناه في هذه المقالة القصيرة والتي اختزلنا فيها الزمن لعشرات السنين؟. فكل واحد منا يمكن أن يعاون النحل من موقعه ومن طريقين سهلينن مباشرين:
 
 
اولاً: زراعة النباتات المزهرة والصديقة لنحل العسل.
 
 
ثانياً: عدم تلويث تلك الأزهار والتي هي غذاء النحل بالمبيدات.
أ-عليه, على كل واحد منا أن يبدأ بالبحث عن النباتات المستوطنة في بيئته التي يعيش فيها ويبدأ بإكثارها وزراعتها في صناديق في المنزل أو في الحدائق العامة وفي المساحات الخضراء المحيطة بنا أو في شوراعنا الخاصة.
 
 
ب- القيام بحملات للزراعة في الحدائق العامة، في الفضاءات الفارغة والمروج، وتخصيص الأراضي الزراعية التي يمكن أن تشكل نواة محميات للنحل.

 
 
ج- نحن بحاجة إلى تنوع جميل من الأزهار والتي يمكن أن تزهر خلال مواسم النمو بأكملها من الربيع إلى الشتاء.
د- نحن بحاجة لأن نزرع أطراف الشوارع والجزرات الوسطية بالأزهار من أجل ديمومة حياة النحل، ومن أجل نشاط الفراشات بأنواعها والعصافير والطيور والحياة البرية الأخرى.
 
 
هـ- نحن بحاجة إلى التفكير ملياً وبشكل جدي وحذر من أجل إعادة الغطاء النباتي لإصلاح خصوبة الأرض طبيعياً ومن أجل أن يتغذى النبات عضوياً.
 
 

 
 
هـ- نحن بحاجة إلى التفكير ملياً وبشكل جدي وحذر من أجل إعادة الغطاء النباتي لإصلاح خصوبة الأرض طبيعياً ومن أجل أن يتغذى النبات عضوياً.
و- نحن بحاجة إلى تنويع حقولنا الزراعية.
ز- نحن بحاجة لزراعة نباتات الأسيجة المزهرة والفراغات المحيطة بها من أجل تعطيل التصحر الغذائي وتصحيح النظام الغذائي غير المنضبط الذي خلقناه بأيدينا.
 
 

 
 


عندها سيحصل النحل على التغذية الجيده؟، وعندها سيمتلك النحل القابلية الجيدة للانخراط في منظومته الدفاعية الطبيعية؟ وسلوكه الصحي القوي والذي كان يمتلكه منذ ملايين السنين، ومن الجميل أن يتم مساعدة النحل بهذه الطريقة.
ومن وجهة نظري على كل واحد منا أن يتصرف أكثر قليلاً من مجتمع النحل. حيث أن أي إجراء بسيط من أحدنا يمكن أن يسهم ويساعد في حل مشكلة كبرى، فالتصرف الفردي المنضبط هنا أكبر بكثير من مجموع التصرفات الفردية لدينا. فقد أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل: رواه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك رضي الله عنه )). فالعمل الصغير البسيط المثمر هو بداية الطريق للوصول إلى التغيرات الكبرى والعظيمة.

المصادر :
1- القرآن الكريم.
2- الصائغ ، مزاحم أيوب وعبدالرحيم عمر مصطفى (2003) المدخل إلى تربية النحل.
3- محاضرات علمية للعالمة مارلا سبيفاك.(2012).
4- بحوث علمية عن أسباب هجرة واختفاء النحل.

((نقلاً عن موقع نحلة www.na7la.com بإدارة الدكتور طارق مردود))


الأستاذ الدكـتـور مـزاحـم أيـوب الصـائـغ

 
مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف * www.na7la.com * منذ عام 2007