أعراس النحل
بقلم رشيد يزبك - لبنان
بالرغم من أن ذكور النحل تتواجد طوال السنة في الطوائف، جنبا الى جنب مع الملكات، فأنهن لا يشعرن بهم الا يوم يخرجن للزواج في مساء البلدة.
وتلعب النحلات العاملات دورا رئيسيا في تحضير وأتمام هذا العرس.
وقد درس ألبر وروتنر سنة 1955 تصرف النحل مع ملكته العذراء لحثها على الخروج للزواج. يقول هامن ان النحلات في تلك الأيام ما أن يصلن الى مسافة خمسة سنتمترات من الملكة حتى يبادرنها بارتجافات
عنيفة ظهرية بطنية، ومنهن من يهاجمنها ويدفعنها برؤوسهن او بأرجلهن. وفي بعض المرات يمسكنها بأجنحتها ويجذبنها الى الوراء او يمسكنها من جهة واحدة ويدرن بها دورات متسارعة تفقدها توازنها. وتكون
هذه التحديات عدائية في الغالب وقد تتسبب بتكتل اعداد كثيرة من النحل على الملكة التي تحاول في البدء تجاهل وتحاشي هذه الهجمات. ولكن بعد اليوم الثالث أذ تقوى وتعنف الهجمات ، تعود الملكة لا تقوى على
ردعها ولا يعود يوقف تصاعد العنف الا صوت التوت توت الصادر عن حفيف اجنحة الملكة، وخصوصا فهمها أن النحل انما يدفعها باتجاه الباب لتقوم برحلة الزفاف وتؤمن استمرارية المملكة.
وهكذا تحت هذا الضغط تندفع في اليوم السادس من حياتها في جو من الهياج الجماعي نحو الباب ومنه الى سماء المنحلة. وفي رأي هامن ان شراسة النحل مع ملكته في تلك الأيام التي تسبق العرس ضرورية جدا
لرفع نسبة السكر في دمها الى الدرجة القصوى. كما انه يلاحظ ان النحلات الصغيرات في السن لا يعاملن ملكتهن بشراسة بل هن الكبيرات بالسن اللواتي يهاجمنها ويقسين عليها. ومن هنا اننا كلما اعطينا طائفة
نحل اقراص بيض في يوم التفقيس بصورة مستمرة نؤخر خروج ملكتها للزواج ، في حين ان الطوائف التي يوجد فيها فقط نحل كبير السن ، تخرج ملكاتها للزواج قبل موعدها تحت ضغط النحلات المشاكسات المستعجلات.
أما عندما تكون الملكة عذراء ودخيلة على الطائفة ومن غير جنس نحلها فأن خروجها للعرس يتأخر لأن التحضير له يتم ببطء أكثر.
تغذية الملكات
من المفروض ان الملكة العذراء يغذيها النحل بفمها، مع انها تستطيع ان تتغذى بنفسها من اقراص العسل التي امامها. وما بين اليوم الثالث والخامس من عمرها، تظهر على الملكة علامات النضج الجنسي فتصبح مشيتها واثقة وقوية،
وصدها للنحل الذي يهاجمها أشد وأقسى. وقد لا حظ البحاثة الألمان ان بطنها يبدأ بالأنحناء عند آخره بينما تروح تحفه على ارجلها باستمرار. وعندما تخرج الملكة للزواج في اليوم السادس يصاحبها بضع نحلات وفي بعض المرات
قد تخرج الطائفة كلها اذا كانت صغيرة. وفي العادة تنتظر فرقة من النحل عودة الملكة من رحلة العرس على مسطبة الطائفة وليس من المستغرب ان يتكتلن عليها في بعض المرات لشدة توترهن.
وقت العرس
تتم أعراس ملكات النحل في الغالب ما بين الظهر والعصر ونسبة تسعين بالمئة منها حوالى الساعة الثانية. أما اذا صدف وكانت الأحوال الجوية عاطلة، فأن الملكة تعود الى داخل الطائفة وتلغي حفلة الزفاف التي كانت محضرة جيدا في آخر دقيقة.
وبحسب ألبر سنة 1955 يجب الا تقل درجة الحرارة عن العشرين وأن تكون السماء منورة وسرعة الهواء أقل من ثمانية وعشرين كيلومترا بالساعة. أما أذا أخر الطقس زواج ملكة النحل فأن قدرتها على البيض تنقص كثيرا وكذلك عمرها وذلك
بسبب قلة المني الذي يتجمع في مستودعها. وبحسب أورتل سنة 1940 فأن نسبة 32 % فقط من الملكات تتزوج من أول حفلة عرس، في حين يقلل ألبر هذه النسبة الى 10 % فقط. أما حفلات الزواج التي تعود منها الملكات مع أعضاء ذكورة
أكثر من سبعة عشر ذكرا فتطول أكثر من غيرها. وهي تستمر بحسب روتنر 1954 ثمانية عشر دقيقة مقابل عشر دقائق في الأعراس غير المثبتة.
وبعد أن كان هوبر قد أعلن سنة 1792 أن ملكات النحل لا تتزوج الا من ذكر واحد ومرة واحدة فقط في حياتها،
جاء روبرت عام 1944 ليكشف أن خمسة وخمسين بالمئة من أصل مائة وعشر ملكات قد رجعن مرتين من حفلة العرس مع اعضاء الذكورة فيهن. وقد ساند هذه النظرية بعد ذلك ترجسكو سنة 1951 ثم تابر وويك سنة 1956 الذين اثبتوا ان
عددا كبيرا من ملكات النحل قد عاد مرتين متواليتين مع خمس علامات تلقيح. كما تبين لهم ان ملكة بالذات قد قامت بثلاث رحلات زفاف بعد ظهر يوم واحد.
في العادة تعاود الملكات الخروج للزواج بعد ربع ساعة من رجوعهن من العرس الأول.
وكل هذه الأعراس تتم ما بين الأسبوع الأول والرابع من عمر الملكة. ولكن النظريات لا تزال متضاربة حول عودة الملكات بعد مرور سنة او أكثر من عمرهن بداعي فراغ مستودعهن من مني الذكور. وبحسب وويك 1956 فأن الملكة أذا كررت
الخروج في نفس اليوم لحفلة زواج ثانية فلكي تملأ خزانها على الكامل من مني الذكور. فأذا عبأت في أول خروج أقل من 359 مليون نطفة فأنها تعاود الكرة حتما لتمتلأ بأربعة ملايين ومئتي الف. أما التي تعود من اول رحلة بخمسة ملايين
وستمائة الف نطفة فهي لا تخرج ثانية مكتفية بما ملأت بينما تحصل التي خرجت بثلاث رحلات زفاف متتالية على أكثر من ستة ملايين وتسعمائة وسبعين نطفة بحسب وويك 1960.
ويقول ترجسكو أن الملكة يوم عرسها لا تتلقح من ذكر
واحد فقط بل يتناوب على تلقيحها ستة ذكور كمعدل وسطي، بينما يؤكد وويك 1960 أن ملكة ما قد تلقحت من ستة عشر ذكرا مما جعل خزانها يمتلىء بعشرين ملليمترا مكعبا من (النطاف) بذور الحياة. وبمقدار ما يكون مستودع المني كبيرا بمقدار ما تكون الملكة
أغزر بيضا وأخصب نسلا. أما اذا حرمنا الملكة من الخروج برحلة الزفاف فأنها لا تلبث ان تبيض بيضا غير ملقح (هوبرت 1792) . والملكة في الأصل تبدأ بالبيض بعد يوم او ثلاثة على الأكثر من زواجها. وبحسب ألبر تنزل البيضة الأولى بعد اربعة عشر ساعة من زفافها.
ذكور النحل
تربي كل طائفة نحل حوالى الف ذكر، وبحسب وايس 1962 تشكل الذكور ما نسبته 2 % من مجموع السكان حاسبا ان عددهم قد يصل الى الف وتسعين ذكرا عندما يبلغ تعداد العاملات الى سبعة عشر الف عاملة. ويرى ألن 1958 أن أعداد الذكور في الطائفة تزيد
وتنقص بحسب أقبال مواسم الفيض أو جفاف مصادر الرحيق. لذلك تحتفظ الطوائف ببعض الذكور طوال العام اذا لم تنقطع المراعي كليا فتسارع عندئذ الى قتلها ورميها خارجا. وتقوم الذكور بأول رحلة طيران لها بعد اليوم الثامن من عمرها، كما انها تقسم الى قسمين:
ذكور الطيران وذكور الطوائف. وهذه الأخيرة لا تفارق عش الحضنة حيث تكون الحرارة 35 درجة مئوية وهي لا تأكل بنفسها بل تطلب من النحل أن يطعمها من فم الى فم. وبحسب لاوريشن 1947 تعيش ذكور الطيران 54 يوما كما يؤكد بلاس ان الذكور المولودة
في طوائف يتيمة ونحلها يبيض بدلا من الملكة أو حتى في طوائف ضعيفة النسل بسبب زواج الأقارب المحصور والمتكرر، لا تستطيع ان تطير وراء الملكات في حفلات الزفاف ولكنها تستعيد هذه القدرة فيما لو انتقلت الى طوائف قوية نظامية. وبعد اربعة ايام من
عمرها تباشر الذكور أخذ الغذاء بنفسها من اقراص العسل الموجودة امامها. والصغيرة السن منها تستهلك ملليجراما واحدا بينما لا تكفي البالغة ثلاثة ملليغرامات.
وتحرق الذكور في طيرانها ما نسبته أربع مرات أكثر مما يحرقه النحل. ويقدر لفنتس 1956 انه
يلزم سبعة كيلوجرامات تقريبا لتغذية الف ذكر نحل منذ تكوينها. وبالرغم من ذلك فأن الطوائف التي فيها ذكور لا تقطف عسلا أقل من التي حرمناها من تربية الذكور مع ان الذكور لا تعمل الا في التنظيف والتدفئة بالطائفة (مندت 1962). أما بالنسبة لتعرف الذكور
على طريق العودة الى طوائفها فأن مسافة كيلومترين كافية بحسب أورتل 1959 كحد اقصى لهذه المعرفة. ولكن روتنر لاحظ ان الذكور تعود من مسافة خمسة كيلومترات الى طوائفها الأصلية.
وتشكل القمم التي تعلو مائة وخمسين مترا حول المنحلة حاجزا لا تتجاوزه ذكور النحل بالرغم من أن شعاع الطيران عند الذكور اكبر منه عند الجانيات. أما الطوائف اليتيمة والتي ليس فيها ذكور فلا خوف على تلقيح ملكاتها لأنها تبقى مغطاة بذكور المنطقة المجاورة
ضمن شعاع عشرة كيلومترات ونصف ( فوجيد ولوكونت 1958). وبحسب بار يجب أن تبعد محطة أنتاج وتأصيل وتلقيح ملكات النحل عن موقع وجود ذكور غير مرغوب فيها بحوالى عشرة كيلومترات على الأقل، بينما تشكل القمم والبحيرات الكبيرة عازلا للذكور الغريبة.
وبالنسبة للتضييع فأن للذكور ميلا للتضييع أكثر من الجانيات بحيث لا تتجاوز نسبة دخولها الى غير طوائفها الا اثنين بالمئة فقط.
أما أعراس الملكات فتتم غالبا على ارتفاع يتراوح بين 61 و 20 مترا (بروست 1961) وليس مستغربا ان تلاحق الذكور الجانيات بقصد تلقيحها في تلك الأيام وقد تلاحق حتى العصافير والفراشات عندما تكون في قمة هيجان رغبتها الجنسية .طبعا يبقى لملكات النحل جاذب
جنسي أشد وأقوى ينتشر من غدتها (جاري 1962 وتلر 1964). وتلاحق الذكور الملكة من ورائها مؤلفة سهما سريعا يشق السماء بتعرج شديد تكون الملكة حربته.
وبعد أن يمتطي الذكر الملكة يدخل عضوه التناسلي فيها ثم ينقلب على ظهره كالأرنب مؤلفا معها
حرف أس S بالفرنسية وما أن ينهي فعلته حتى يسقط على الأرض بينما يتناوب على الملكة الذكور الأقوى مداورة. وعندما ترجع من رحلة الزفاف الى طائفتها تضغط الملكة على بطنها بنفخات قوية ليخرج منها عضو الذكورة تلقائيا أو لينزعه منها النحل الذي يكون بانتظارها
على مسطبة بيتها.
وتجدر الملاحظة ان سدادة (فالف) مستودع المني تعمل بدقة متناهية لتمكن الملكة من توزيع هذه اللقاحات على البيض الذي تبيضه طوال حياتها .
والملكة التي تبيض من ثلاثمائة الف الى خمسمائة الف بيضة يجب ان يحوي خزانها ستة ملايين نطفة
اي ما نسبته ما بين 15 و 20 لقاحا لكل بيضة تبيضها . وبما أن هناك خطرا كبيرا من ضعف النسل من زواج القربى فأن الطبيعة جعلت ذكور النحل مقبولة في كل الطوائف وحتى في كل المناحل وجعلت الملكة تتزوج من سبعة عشر ذكرا بل جعلتها تأخذ في كل مرة مزيجا
عشوائيا من هذه الحيوانات المنوية لزيادة التأكد على ابعاد التزاوج بين الأخوة والأبناء والأباء (ألبرت 1955) .
طيران الذكور
في أول طيرة للذكور التي تتم بعمر اثني عشر يوما ، تفرغ ذكور النحل بطونها من فضلات الأكل. أما قمة النضج الجنسي فلا تحصل الا بعد واحد وعشرين يوما (هجتمنك 1962) وفي احوال التلقيح الأصطناعي يجب ترك الذكر يطير ضد زجاج النافذة ثم يؤخذ منه الني ميكانيكيا.
أما الذكور المتأتية من نحل يبيض في طائفة يتيمة أو حتى من ملكة عذراْ غير ملقحة ، فأنها ولو كانت صغيرة الحجم بسبب ولادتها في حجرات الآناث قادرة على استرجاع قدرتها على التلقيح (فيح 1958).
وتطير الذكور مثل الملكات بين الساعة الحادية عشرة والسابعة عشرة ولكن الوقت الأكثر استعمالا فهو الساعة الثانية بعد الظهر. وبينما تبقى الذكور اليافعة من ثلاث الى ثماني دقائق في كل طيرة، تستمر طيرة الذكور البالغة نصف ساعة وفي بعض المرات ساعة كاملة .
ولا تطير ذكور النحل بحسب هوبل 1932 ثلاث طيرات في اليوم بل تسع طيرات وفي رأي هجتمنيك 1962 لا يفصل بين الطيرات الا فترات استراحة قصيرة جدا لا تتجاوز الخمس دقائق. وبينما يعطي أورتل ستة عشر كيلومترا بالساعة كسرعة قصوى للذكور في طيرانها ،
يؤكد بروست انها تتجمع بالمئات آتية من طوائف عديدة في اماكن محددة بالقرب من المنحلة. وهذه الساحات السماوية تقصدها الملكات كلما أرادت الزواج ويقصدها الذكور يوميا لعلهم يتوفقون بملكة ترغب في الزواج والعجيب حقا ان الملكات وذكور النحل تستعمل هذه الأماكن
بالذات منذ سنين عديدة من دون اي تفسير لكيفية تناقل هذا الأخبار من الملكات الى اولادها (ساحة كنيسة مار سركيس في جديدة المتن مثلا).
رشيد يزبك