أبعاد مهمة في علاقة النحل بالبيئة د. نزار حداد
يعود اهتمام الإنسان بالنحل إلى قديم الزمان. فقد اهتم أسلافنا بالنحل من أجل عسله وشمعه بشكل رئيس. أما في العصور الحديثة فقد تطور اهتمام العلماء بنحل العسل لأسباب تتجاوز منتجاته من عسل وحبوب لقاح وشمع وغذاء ملكي وسم نحل وعكبر، فأصبح جُل الاهتمام منصباً على دور النحل في تلقيح المحاصيل الزراعية وذلك بسبب التأثير المباشر الذي يكاد يعادل تأثير إضافة الأسمدة الزراعية أو الري التكميلي في المناطق البعلية. بل امتدت آفاق العلماء إلى استخدام النحل في الكشف عن المتفجرات والألغام الأرضية ناهيك عن الاهتمام الحثيث لعلماء التنوع الحيوي بدراسات تأثير النحل على حماية النباتات البرية التي يزورها سعياً وراء المرعى ولكن له دور فاعل في تلقيحها وعقد ثمارها ونضج بذورها.
هذا وقد نُقل عن العالم ألبرت آينشتين (1879- 1955) قوله: «حين يختفي النحل من الأرض، يبقى للجنس البشري أربع سنوات فقط ليعيشها؛ لا نحل، لا تلقيح، لا نباتات، لا حيوانات، ولا إنسان ...» وتجدر الإشارة هنا إلى عدم اخذ هذه الجملة بشكل حرفي على الأقل من منظورها المتعلق بإطارها الزمني، لكنها تحمل في طياتها جوهراً من الحقيقة.
لقد قدم العالم يورغن تاوتز بعداً جديداً لأهمية نحل العسل يسٌهل علينا فهم دوره في الحفاظ على التنوع الحيوي للنباتات البرية فيقول: «يكون السهل والمرج مزهراً جميلاً وملوناً إذا وجد نحل يلقح أزهاره، ولكن غالبا ما ننسى أنّ تأثير أنشطة النحل في تلقيح نباتات المرج والسهل يصل حتى قطعة اللحم التي توضع في أطباقنا. فنوعية لحم البقر مثلا تتحسن بوجود النحل، لأن النحل يؤمن تنوعاً في نباتات المراعي». ولكن ماذا عن تأثير النحل على الحيوانات والطيور البرية التي تقتات على الأعشاب والحشائش البرية والمزروعة. هذه أمثلة بسيطة على الدور الوظيفي المتشعب والمترامي الأطراف للنحل في النظام البيئي الطبيعي، كما هو الحال أيضا في النظام البيئي المصطنع الذي أنشأه الإنسان في الحقول والمزارع والبساتين.
ذهب بعض علماء البيئة والطبيعة إلى استخدام النحل كمؤشر لتقييم حالة النظام البيئي، فاستخدم تحليل نحل العسل ومنتجاته في تحديد مستوى التلوث في بيئته المحيطة، ومن ذلك التلوث بالمعادن الثقيلة والمبيدات والأسمدة الزراعية، حيث يرى هؤلاء العلماء أن زيارة النحل للأزهار ومصادر المياه والطيران في الهواء والاستراحة على الأغصان والأوراق سبب كافٍ لتراكم عوالق الملوثات على جسمه وفي داخله مما يجعل النحل مقياسا مباشراً على مدى تلوث البيئة المحيطة به، إلا أن هذه الأبحاث لا تزال في بداياتها.
ويؤكد علماء البيئة والعلوم الحياتية أن إدارة الموارد الزراعية بشكل متجدد على وجه المعمورة غير ممكنة دون وجود نحل العسل. كما يعتمد الجنس البشري ونحل العسل كل منهما على الآخر، فمن غير الممكن للزراعة أن تكون مستدامة بدون نحل العسل، ويعتمد نحل العسل على الإنسان اعتماداً شبه كلي في ظل ظروف التغيرات المناخية والاحتباس الحراري والتأثيرات السلبية للأنشطة البشرية والتوسع العمراني والزراعة المكثـفة واستخدام المبيدات والأسمدة الزراعية وأخيرا وليس آخراً عولمة انتقال الكائنات الحية وما يصاحبها من انتقال للأمراض والآفات التي تهدد صحة النحل.
إن استغناء الإنسان عن نظرته النرجسية الأنانية والاستعاضة عنها بنظرة تحليلية شمولية للكائنات الحية وعلاقتها ببعضها هي الكفيل الرئيس للحفاظ على التنوع الحيوي سواء على مستوى النبات أو الحيوان أو حتى الإنسان، وفهمنا للعلاقة التكاملية بين الأنشطة البشرية من جانب وأثرها على البيئة المحيطة أو نشاط نحلة العسل من جانب آخر، وأثرها على المراعي والغابات والمحاصيل الزراعية واستدامة الموارد الوراثية، مما سيؤدي بالضرورة إلى إعادة النظر في تعاملنا مع الطبيعة الأم المحيطة بنا. ونستذكر هنا المفهوم الفلسفي الذي وضعه الفيلسوف الصيني كنفوشيوس 551 ق.م- 479 ق.م حين قال : «عندما نقطع آخر شجرة ونصطاد آخر سمكة ونهدر آخر قطرة ماء، فقط حينها نفهم أننا لا نستطيع أن نأكل النقود» وهو بذلك سبق علماء الزراعة المستدامة بمئات السنين، وعلنا في هنا نضيف على قول كنفوشيوس «ونخسر آخر نحلة» لنفهم حينها فقط أننا لا نستطيع أن نأكل النقود.
عن جريدة الرأي الأردنية - 30/4/2010
أرسل الموضوع أبو طريف
|