موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب
   الصفحة الرئيسية           المـقـالات           الأخـبــار           الــصـــور           منتدى النحالين العرب   

 
أساسيات تربية النحل أرسل لنا مقالاً أو خبراً
أو صورة لنشرها

النحل في معارف العرب

الدكتور معن منيف سليمان
 


 

نجمع في هذا المقال ما انتهى إلينا ذكره من معارف العرب عن النحل مما جاءت به كتب التاريخ والنبات. فالنحل أنثى وتصغّر نحيلا (بغير هاء)، وواحدتها نحلة. ويقال للجماعة من النحل ثـَوْل, ولا مفرد له، وربما سميت ثولاً لتثوّلها وهو اجتماعها والتفافها، ومنه قيل تثوّل القوم على فلان إذا اجتمعوا عليه، والانثيال منه.


ومن أسماء النحل الخشرم، وهو ذكر النحل، والدًبْر، والنـَّوب لأنها تنوب في أعمالها، وواحده النوب، نائب مثل عائذ وعوذ. وقيل أن النوب من النحل التي فيها سواد تشبيهاً بالنوبة.
ويقال للنحل أيضاً الأوب لإيابها، فهي لا تزال في مسارحها ذاهبة وراجعة حتى إذا جنح الليل آبت كلها حتى لا يتخلف منها شيء كما قيل للسارحة سَرْح. ومن أسمائها أيضاً الدبوب. وزعم أهل الخبرة بالنحل أن النحل تقسم الأعمال بينها، فمنها ما يبني بالشمع, ومنها ما يأتي بالعسل فيمجّه في أبيات الشهد, ومنها ما يأتي بالماء فيمد العسل به.
وزعم العلماء بشأن النحل أن الغبر أصغرها والسود أوسطها والصفر أعظمها, وأن النحل التي تسرح في الجبال تكون أصغر من نحل السهل وأكثر عملاً, وأن النحل الكريمة تكون صغيرة مستديرة مختلفة اللون، والنحل المستطيل غير كريم ولا عمول ولا متقن لما يعمل. والنحل الصغار تخرج تلك الكبار من بيوتها وتطردها. وإذا قويت النحل على ذلك فهو منتهى كرم النحل.

وقال العلماء أيضاً أن النحل الصغير عمّال، وهي سود الألوان كأنها محترقة. فأما النحل الصافي النقي فإنها تشبه النساء البطالات اللاتي لا يعملن، وقالوا أن النحل تخرج ما كان بطّالاً وما لا يشفق على العسل.
وفي النحل اليعاسب، وهي ملوكها وقادتها، والواحد يعسوب، وعليه تأتلف النحل وتستقيم أمورها وتنتقل حيث انتقل وتقيم حيث يقيم وتربَّ به، فهو كالأمير المطاع. وملوك النحل هذه لا تخرج خارجاً, وإن خرجت تبعتها جميع النحل. وهي لا تذهب للرعي، ومتى عجز الواحد منها عن الطيران حملته النحل حملاً، وإن هلك أقامت النحل بعده متعطلة لا تبتني ولا تعسّل وربما تهلك عاجلاً، وجثة اليعسوب مثل جثة نحلتين.

واليعاسب جنسان أحدهما الأحمر اللون وهو أفضل اليعاسب، والآخر أسود مختلف اللون. وإذا كان اليعسوب عظيماً يسمى جَحْلاً, ويكون في كل خلية يعسوب واحد وربما كانت عدة إذا كانت الخلية كبيرة. وإذا كانت أكثر من واحد صار مع كل يعسوب طائفة من النحل. ولهذا إذا كثرت الملوك في الخلايا قتلتها النحل لئلا تشتت النحل لأن النحل تتفرق على الملوك كما سلف القول.
 


 

ويقال أن ملوك النحل لا تلسع ولا تغضب وأن في هذا لعبر لعقلاء الإنس، ولهذا زعم بعض العلماء أن النحل أشبه المخلوقات في تدبير أمورها بالإنسان، وقيل أن أمرهن شبيه بأمر من يسوس المدائن الكثيرة الأهل، ولذلك قال عز وجل في حال هذا المخلوق العجيب "إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون".
والنحل تبني لملوكها بيوتاً خاصة بها، وكذلك يبني لذكورها، إذ أن الذكور لا تعمل شيئاً، فالعمل مخصص للإناث فقط وهي تقوت ملوكها وذكورها، وليس للنحل أقوات إلا العسل، حتى أن ذكور النحل لا تكاد تخرج إلا إذا أحبت أن تحرك أبدانها لتخف، وعندها تخرج بأجمعها فترتفع في الهواء فتدوّي ثم ترجع فتدخل الخلية.
وإذا كان الزمان جدباً وقل العسل فإن النحل تقتل ذكورها, وكثيراً ما تهرب الذكور إذا أحست بذلك فتُرى واقعة على ظهور الخلايا خارجاً، وهذا شاهد على ما ذكروا من شح النحل على العسل وشفقها عليه. وكذلك على ما ذكروا من طردها ذوات البطالة منها والكسالى المتكلة على كسب غيرها والمعولة على ذخائر سواها. ولو أنا استعملنا نحن البشر مثل هذا التدبير في كسالانا وبطالينا كان أحزم لنا وأنفع لهم.
ومن الشاهد على أنها لأنفسها ادخرت ما في بيوتها وما جمعت من كدها لغير ذلك شدّة شحها عليه وضنها به وذبها عنه وولهها إذا عرض له وإلقاءها أنفسها في المهالك دونه, فإنها تقاتل كل شيء عرض لذخائرها ثم لا تهرب منه كائناً من كان إلا من أمثالها من النحل. فإنها ربما أراد بعضها الغارة على بعض فاقتتلت حتى يقتل بعضها بعضاً أو يهزمه، فإن المقهور منها حينئذ يهرب ويسلّم حوزته.

وإذا قويت على شيء لسعته أبداً حتى يموت أو يهرب، ولذلك احتال لها الإنسان بالدخان حتى جلوّها ثم يصل إلى العسل، ومن الدليل على ذلك من أنها إذا دخّن عليها فأحست بأنه يؤخذ ما في بيوتها من العسل بادرت إلى أكله. وهناك صنف من ذكور النحل يخاتل النحل فتدخل بيوتها فتأكل العسل، ويسمى هذا الصنف اللصوص، وإذا قدرت النحل عليها أو ظفرت بها في مثاويها قتلتها. ولا تخلوا مثاويها إذا خرجت النحل من حراس تكون فيها، إذ أن النحل الكريم لا يتوانى ولا يتغافل ولا يترك أعماله. فمن تهاون النحل وبطانته تعرض للخلية رائحة منتنة جداً فتفسد.
والنحل إذا لسعت شيئاً فنشبت حماته (الشعر الذي في أذنابها التي تلسع بها، وهي إذا شاءت أخرجتها وإذا شاءت ردتها) فيه ولم تستطع ردها ماتت. ويعد النحل أنظف أجناس الحشرات كلها. ولذلك تكره كل رعي يكون منتناً أو زهم الرائحة، ولا تقرب الأنتان والأقذار ولا يضرون بشيء من معايش الناس.
ويقال للنحل إذا سرحت أو رعت جرست تجرس جرساً إذا أخذت الشمع من الزهر أو العسل، وكل ذلك جرس، حيث تأتي بالشمع على أيديها المتقدمة ثم تحثه عنها بقوائمها المتوسطة، فإن عجزت حثته عنها بأرجلها المؤخرة. فأما العسل فإنه يكون في أعماق الأنوار من لطيف غذاء النبات قد انتهى في النضج فحلا وعذب. فالنحل تغمس ألسنتها في أعماق النور وتترشّف ذلك الجناة، وذلك الترشّف هو جرسها العسل. فقد قيل أن جرست البقرة ولدها إذا لحسته، والجرس هو الأكل.
وألسنة النحل جوف طوال حديدة الأطراف مهيأة لهذا الشأن لا للصوت، فإن النحل لا تصوّت ولا شيء من الذبان، والنحلة ذبابة. وبهذا العضو يوصل جميع أجناس الأذبة والبعوض والبق إلى أجوافها لأن طعمها ليس شيئاً سوى الرطوبات. فبهذا العضو تمتصها ثم ترد ألسنتها في أوعيتها من أفواهها. وسميت ألسنة وليست بألسنة ولا خراطيم ولكنها بالألسنة أشبه. وإذا ترشفت النحل تلك الحلاوة من الأنوار والأزهار فجمعتها في صدورها أقبلت إلى الشهد فأتاعته في نخاريبه، وهذا لأمر معاين ومشهور عنها.

والنحلة إذا وقعت على نوع من الزهر فلم تكتف بما جرست منه انتقلت إلى مثله من جنسه ولم تنتقل إلى جنس آخر إلى أن تراجع الخلية فتمج منها ما استوعبت ثم تعود إلى الرعي. وإذا ملأت بيوت الشهد من العسل ختمت على تلك النخاريب لينضج العسل ، وإنها إن لم تفعل ذلك فسد الشهد وتولد فيه دود يسمى العنكبوت. فإن قويت النحل على تنقيته منها سلم الشهد وإلا فسد كله.
وإذا أزهرت الأعشاب عملت النحل الشمع، ولذلك ينبغي أن يؤخذ بعض الشمع في ذلك الأوان وإن احتاجت إليه تعيده من ساعته. وتعمل النحل عمل العسل في زمانين: في الربيع والخريف، والربيعي أجوده وأكثره.
والنحل تأتي إلى بيوتها بشيء آخر ليس بشمع ولا عسل ولكن بينهما، كأنه خبيص يابس فيه بعض اللين، وإذا غمزته تفرق، وليس بشديد الحلاوة ولا عذب. وقد شبه العلماء حلاوته بحلاوة التين, تأتي به النحل كما تأتي بالشمع على أعضادها وسوقها. والعرب تسميه الإكبر أو الأِكبر، وتسميه الأعراب بالعكبر، وقالوا: تأتي به النحل على أفخاذها وأعضادها، فترى النحلة تطير وذلك العكبر متعلق بها فتجعله في نخاريب الشهد مكان العسل، ولا تكاد النحل تكثر منه إلا في السنة المجدبة، وأكثر ما تأتي بالعكبر من السدر والناس يأكلونه كما يؤكل الخبز فيشبع ويحملونه في المزاود إذا سافروا، وهو مفسد للعسل فالناس يكرهونه. والنحل تأكله إذا لم تجد غيره.
وللنحل نجو منتن، وأكثر ما تقذف به إذا كانت تطير، فإن أنجت في الخلية أنجت في مكان منعزل لا يختلط ببنيانها ولا يفسد من عملها شيئاً.
وإذا ملأت النحل نخاريب الشهد عسلاً ختمتها. وتختم أيضاً ما يكون فيه فراخها من النخاريب بأرق الشمع. والختم أن تسد أفواه النخاريب بشمع رقيق ليكون الشمع محيطاً بالعسل من كل وجه. وربما لطخت الختام بعد الفراغ منه بشيء أسود شديد السواد شبيه بالشمع، وهو من الأدوية النادرة والمفيدة لمعالجة الكدمات والجروح وهو الذي يسمى بالفارسية الموميا. وهذا الشمع يخفف ويثقل فيقال شِمَع وشمُع. والشهد يفتح ويضم فيقال شهَد وشهُد وكذلك الواحدة. وكل شهدة قرص والجميع قروص.

 


 

وإذا كانت بيوت النحل في الجبال فتسمى المباءة ة والوقبة والجبًح والجبخ (بالحاء والخاء والفتح والكسر). الوقبة: الجحر الغائر والجبح: الشق الضيق. وإذا عسلت النحل فما يتخذ لها الناس من خشب خاصة فتسمى النحائت والواحدة منها نحيتة. وإنما سميت نحائت لأنها تنحت بالفؤوس من سوق الشجر العظام، وأشهر ذلك الخزم والعرعر والعثـُم، وإنما تتخذ مما قد نجر منها فتوسع بالمناحت حتى يدخلها الرجل وتسمى الخلايا والواحدة منها خلية. وكذلك ما يعمل لها من الطين والأخثاء فهي أيضاً خلايا. وقد يسمى ما تتبوأه في الجبال أيضاً خلايا. وخلايا الخزم أفضل للنحل وشهدها أعظم لأنها أوسع. والنحل تكره خريا العتم في الصيف خاصة لأنها تأتي عليها بما لا تطيقه من الحرارة وتحبها في الشتاء ويكون شهدها دقاقاً وقلما تحتمله.

ومن الخلايا ما تنصبها في الحيطان، وأكثر ذلك تنضدها في المصانع، وواحد المصانع مصنعة، وهي موضع يُعزل للنحل فتنبذ عن البيوت فنضدها سافاً سافاً على نشز من الأرض وتخالف بين أبوابها ٍقتجعل أبواب ساف إلى أدبار ساف وكذلك حتى تنضد جميعاً. فربما كان النضد منها مثل الدارة العظيمة ثم تغطى بنجب الشجر لتسكنها ويقال للخلية معسلة، وقطف فلان معسلته إذا أخذ ما فيها من العسل. وتسمى الخلايا الأهلية بالدبـّاسات، وتسمى أيضاً الكوّارات، وهي عربية والجميع كوائر ومفردها كوّارة، وقال الأعراب : الكوائر صغار الخلايا. وقال أهل العلم بالنحل إن من لطيف معرفة النحل بما يصلحها أنهن قد علمن ضعفهن فهن يشيّدن عشاشهن ويحصّنها بالضيق والاعوجاج، وإذا كان باب الخلية واسعاً ضيّقنه.

ومن آفات الخلايا دود يتولد فيها صغار ثم تنبت لها أجنحة حيث أن فراشة رقطاء تدخل الخلية فتأكل العسل حتى تربو فتصير نحو الفروج لها عينان واسعتان مثل عيني البومة أو السنور قتضر بالنحل وبالعسل ولا تستطيع الخروج من ولاج الخلية لعظمها حتى تفتق الخلية فتؤخذ وتذبح. ومن الآفات المضرة أيضاً السًرفة، وهي دودة رقطاء شعراء تأكل ورق الشجر وتنسج عليه وهي من آفات العسل.
ومن آفات النحل الدبُر، حيث تقتل النحل وتذهب بها إلى بيوتها، وكذلك الخطاطيف والضفادع التي في النقائع فإنها تتلقف النحل إذا وردت لتشرب. ولذلك يقتل مربي النحل الضفادع التي تكون هناك ويخرّب أعشاش الخطاطيف والدبر. ومن آفاتها أيضاً الحراذين حيث تكمن لها بقرب الخلايا وتتلقفها ولا يقدر النحل لها على ضرر. والنحل تمرض عن رعي الزهرة التي وقعت عليها القملة، كما يسرع عليها المحل إذا كان الربيع حاراً كالصيف في حره وقلة مطره.
وتسمي عرب الشام فراخ النحل بالطرد والجمع طرود، ويسمونها اللوث أيضاً. وتقوم النحل بوضع فراخها في نخاريب الشهد وتختم عليها بالشمع. فإذا آن لها أن تخرج شقت الختم وخرجت. وملوك النحل لا ترى خارجاً إن لم يكن معها عنقود من عناقيد الفراخ. وإذا خرج معها التفت الفراخ به، وإن كانت عدة ملوك افترق الطرد فصار مع كل واحد من الملوك فرقة من الطرد. وإنما قالوا عناقيد الفراخ لأنهم زعموا أن شكل الفراخ إذا خرجت من الخلية شكل عنقود.
وإذا خرجت الفراخ من الخلية فلابد من يعسوب يكون فيها. فإذا سقطت على شجر أو غيره يُحتال لليعسوب حتى يؤخذ،
فإذا أخذ ألقي في خلية أو زبّيل أو نحوه فصار الفراخ كلها معه حيث يصير. ولو أن إنساناً أخذ يعسوب خلية ثم ذهب به بعيداً لتبعه جميع نحل تلك الخلية إرباباً به وحباً له. وإذا هلك الملك هلك جميع الطرد. وإن خرج الملك طلبه الطرد حتى تجده بمعرفة رائحته.

ويقال أن العمل الحسن هو عمل الفراخ لقلة تجربته كأنهم يذهبون إلى أنها مبتدئة فلا تترك غاية. وإذا خرجت الفراخ الحدث ابتدأت بالعمل بعد ثلاثة أيام. أما إذا أراد الإنسان إدخال الفراخ في الخلية يقوم بدلك باطنها بورق الضرم فتألف الخلية لعجبها به وهو طيب الرائحة. ويدلك بالثوم أيضاً، والثوم أيضاً طيب الرائحة, لأن النحل تعجب بالرائحة الطيبة وتكره الرائحة المنتنة. ولذلك زعم أهل الخبرة أنها ربما كرهت خليتها وهمّت بتركها، وإن علامة ذلك أن يتعلق بعضها ببعض. وإذا رأى القوامون ذلك عرفوه فنضحوا داخل الخلية بشراب حلو فتألفها. وزعموا أيضاً أن إنساناً لو دهن يده بدهن كريه الرائحة ثم أدنى يده أليها لسعته.
وفراخ النحل أزعر من الأمهات، والأمهات زغب. وإذا لحقت الفراخ فتمت وصارت نحلاً فهي نحلٌ أبكار إلى أن تفرخ، ومنه كتاب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عامله بفارس "أن ابعث إلي بعسل من عسل خلار (بلد بفارس) من النحل الأبكار من المستفشار الذي لم تمسسه نار".

ويقول أهل الخبرة في النحل أن النحل الكريم هو الذي يتقن عمله حيث تأتي بوجوه الشهد ملساً. وإذا لم يكن كريماً جاء الشهد قليل الاستواء فتنفتح الختام وكأنها تعمل أعمالها بالبخت كيف جاء!.
 

 

الدكتور معن منيف سليمان
 

مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف www.na7la.com منذ عام 2007