عودة النحل البـري
<.H روزنر>
إحياء أنواع النحل البـري يمكن أنْ ينقذ نحل العسل من الانهيار وينقذ كذلك نظامنا الزراعي.
تعتمد الولايات المتحدة في المقام الأول على حشرة واحدة - نحلـة العسل الأوروبية المستأنسة – لتأبير (تلقيح) ثلث مصادرها الغذائية, بما في ذلك تلك المحاصيــــل اللذيذة كالتفاح والخوخ واللوز والخس والبروكـــــلي والتوت البري والكوسا وغيرها.
ولأنّ اضطراب انهيار مستعمرات النحل (CCD) (1) وأمراضا أخرى تُواصل تدميرها لتجمعات نحل العسل, يحوّل الباحثون اهتمامهم إلى ملقحات بديلة - آلاف الأنواع من النحل البلدي المنتشرة في أرجاء البلاد - ويبحثون عن سبلٍ تجعل الأراضي الزراعية أكثر جاذبية للنحل البري.
تشير الدراسات حتى الآن إلى أنّ تأهيل الموائل البرية القريبة من المزارع لاستقبال وتربية النحل البلدي تزيد كذلك من كفاءة نحل العسل نفسه في التلقيح.
|
في حين يمر الإنسان العادي مرور الكرام على نحلة تحوم حول الأزهار، يقضي علماء الأحياء الميدانيون(2) وقتا طويلا تحت أشعة الشمس الحارقة في تأمّل تلك النحلة، ويتساءلون عما إذا كانت ضمن الـ4000 نوع من النحل المستوطن في الولايات المتحدة، أو هل هي من نوع النحل الفائق الخضرة(3) الذي يمتص عرق الإنسان؟ أو ربما هي نوع من نحل الوقواق الطنان Bombus suckleyi الذي يمتاز بوجود شعيرات صفراء على حلقة البطن الرابعة، أو له شعيرات سوداء وبيضاء كما في النوع B. occidentalis.
وتعتقد <.C كريمين> [الباحثة في المحافظة على الأحياء] أن أي شخص يمكنه أن يقضي أوقاتا طويلة في فترة الظهيرة لعد حبوب اللقاح. لكن، بالطبع لن يكون المسؤول عن تأمين مصادر الغذاء للأمة، وإنقاذ نظامنا الزراعي من تدهور يلوح في الأفق، غير أنّ <كريمين> قد يمكنها ذلك.
قبل عقد من الزمن, وبعد سنوات من العمل في مدغشقر, حوّلت <كريمين> اهتمامها إلى مشكلة تقترب من بلادها, ولم يكن هناك أي تشخيص أو ذِكْر لموضوع نظام إدارة مستعمرة النحل (CCD)(1). ولكن وردت هناك بالفعل بلاغات من نحّالين(4) أمريكيين عن نفوق قياسي داخل خلايا النحل في معاسلهم(5). ومعروف أن ثلث إمدادات الولايات المتحدة من الغذاء يعتمد بصورة أساسية على نحــــل العسل في تلقيح العديد من المحاصيل: التفاح واللوز والخوخ والخس والكوسا والبطيخ والتوت والبروكلي, وكثير غيرها. لقد بدأت <كريمين> [التي تعمل الآن في جامعة كاليفورنيا ببيركلي] بالتفكير في أنواع أخرى من النحل. فهل يمكن للنحل البلدي البري أن يخفف من اعتمادنا على نحل العسل من خلال تيسير عمله؟
وقد قامت <كريمين>, بالتعاون مع <.N ويليامز> [وكان وقتئــذ طــالبــا خــريجــا في مختبــرها بجــامعــة برينستون] و<.R ثورب> [وهو مصنف مشهور للنحل] بدراسة تلقيح البطيخ في الوادي الأوسط من ولاية كاليفورنيا. فقد راقبت <كريمين> وفريقها عدد المرات التي زار فيها 39 نوعا مختلفا من النحل زهرةً بعينها، وكمية اللقاح التي أودعتها كل نحلة. واستنادا إلى دراسات سابقة, توصلوا إلى أنّ تكوين بطيخة ريّانة واحدة يحتاج إلى نحو 1000 حبة من حبوب اللقاح. وتبيّن أنّ أصحاب المزارع الذين يعتمدون على المواد العضوية لم يبذلوا أي عناء في تلقيح مزروعاتهم لأن النحل البلدي قام بهذه المهمة بجدارة، كما وفّر عليهم كثيرا من الأموال التي كانت تدفع عادة للقيام بهذا العمل. وفي المقابل، لم يحقق النحل هذه المهمة في المزارع التقليدية التي زُرعت فيها مساحات شاسعة بمحصول واحد، ومن دون نحل العسل سيضطر أولئك المزارعون إلى البحث عن وظائف جديدة.
أنواع النحل الشائعة في شمال شرقي الولايات المتحدة
|
لقد توصّل البحث في تلك الدراسة, والذي نشر عام 2002 في المجلة الأمريكية the Proceedings of the National Academy of Sciences, إلى أن قيام المزارعين بإعادة موائل النحل البلدي إلى حقولهم, يمكنهم من أنْ «يقللوا من خسائرهم فيما لو حدث شحّ في نحل العسل جرّاء الاستعاضة جزئيا عن خدمات النحل البلدي.» وخلال عقد من الزمن تلا ذلك, قام باحثون آخرون بالاستشهاد 614 مرة بتلك الدراسة التي يُنظر إليها الآن على أنها متبصّرة. وفي تلك الأثناء، انضم النظام CCD إلى قائمة طويلة من الأمراض الموجودة بالفعل والتي تُصيب خلايا نحل العسل وتُلحق أضرارا متزايدة بالثروات الاقتصادية للنحّالين. وتقول <كريمين> [الحائزة عام 2007 على جائزة genius grant التي تمنحها MacArthur Foundation)] «إن النحل يُخبرنا بشيء أساسي للغاية عن نظامنا الزراعي, وكم هو بعيد عن كونه متوازنا.»
وحاليا يقوم الآن الجيش الأمريكي في نطاق حماية الأمن الغذائي للأمة، بتمويل جزئي لأبحاث <كريمين> التي تعتقد أن الأمن الغذائي عنصر من عناصر استحداث نظام زراعي مرن، وتضيف أن النباتات التي تُلقَّح بواسطة الحيوان تسهم في %98 من إجمالي فيتامين C المنتج من المحاصيل الرئيسية في العالم، و%70 من فيتامين A و %55 من حمض الفوليك(6), و%74 من الدهون. وترى <كريمين> أن زوال الملقحات يؤدي إلى الموت جوعا، وتضيف <كريمين> بأننا سنعاني جميعا الإسقربوط(7) أو علةً ناجمةً عن نقص في ?يتامين آخر.
إن أزمة نحل العسل تُبرِز الخطر الهائل الذي أوجدناه في نظامنا الغذائي من دون قصد وذلك باعتمادنا على حشرة واحدة في تلقيح قسم كبير من إمداداتنا الغذائية. وكما أوردت المؤلفة<.H نوردهاوس> في كتابها “The Beekeeper’s Lament? «يتوقع المزارعون من النحل أنْ يعمل كأي آلة أخرى في المزرعة - المهزّات والكانسات والحارثات والحاصدات.» ولكن نحل العسل مخلوقات حية, تخضع للحقائق البيولوجية. وعلى الرغم من مرور 400 عام من استئناس النحل، فإن أمورا عديدة مازالت مبهمة عن بيولوجيا نحل العسل - مثلا: سرعة تأثر هذه الحشرات بالطفيليات وال?يروسات في الأحوال المناخية. وصحيح أنّ النحل يمكن تدجينه, لكنه لايبقى في حظيرة كما تفعل الماشية.
هناك أشياء أخرى يمكننا التحكم فيها: وعلى وجه التحديد، العوامل البيئية التي تسيطر على دورة حياة النحل. وكما تُبين الوقائع، فإننا قد غيرنا البيئة لتكون إلى حد ما أكثر سوءا بالنسبة إلى النحل. وتقول <كريمين>: «إنّ نظامنا الزراعي الأحاديّ المحصول يخلق حاجة كبيرة إلى جيش من الملقِّحات, وليس هناك في الواقع وسيلة لتأمين ذلك إلا من خلال نحل العسل. ولو عانى هذا النحل مرضا أو مشكلات, فماذا نحن فاعلون حينئذ؟»
سفن أشباح(**)
إنّ ما يعرف بالعامية بنحل العسل يسمى على نحو أدق نحل العسل الأوروبي Apis mellifera, الذي وصل أولا بوصول مستوطني المستعمرات الأوائل الذين جاؤوا على ظهور السفن من إنكلترا نحو عام 1620. ومنذ البداية، اجتاحت الآفات والجراثيم خلايا النحل, وصارت تربية النحل معركة يحاول فيها النحّالون البقاء على بعد خطوة أو اثنتين من شراسة منجل الحصاد(8). وعث الشمع ومرض فساد الأجنة الأمريكي American foulbrood والجفاف ومرض الهزال nosema disease - وهذه غيض من فيض مما انتظر على مرّ القرون خلايا النحل والنحّالين على السواء.
وقد ذكرت <نوردهاوس> أنه في خريف عام 2006 اكتشف نحّال (صار ذائع الصيت الآن) يدعى <.D هاكنبرگ> أنّ 360 من بين 400 من خلايا النحل التي لديه في فلوريدا كانت بلا حياة – إذْ لم يكن هناك نحل على مرأى البصر. «لقد انتظرت تلك الخلايا الممتلئة بحبوب اللقاح(9) والعسل واليرقات – مثل سفن الأشباح – سكانها من النحل , ولكن أولئك السكان لم يعودوا أبدا.»
وبحلول الشتاء التالي فَقَدَ بعض النحّالين %90 من خلايا النحل التي لديهم؛ ودُمر ثلث خلايا عسل النحل عبر البلاد بالطريقة الغامضة هذه. ويسمي الباحثون تلك النواقص «اضطراب انهيار مستعمرات النحل» - وإنْ أصبحت هذه العبارة تُطلق كناية عن جميع الأمراض التي تصيب نحل العسل.
وقد فشل العلماء في إيجاد حل لتلك الظاهرة. فقد اتهمت الدراساتُ الحديثة المبيداتِ الحشرية التي تؤثر في أعصاب الحشرات(10) وتستعمل على نطاق واسع في مكافحة الآفات. ولكن المبيدات ليست المتهم الأول وراء تراجع أعداد النحل وتعرض مستعمراته للإصابة بالجراثيم مثل: الفطريات الطفيلية parasitic fungus التي تسبب مرض الهزال وسوس الفاروا varroa mites وهي طفيليات بلون الصدأ تمتصّ السوائل الحيوية في النحل, وتنشر أمراضا ?يروسية مسببة الشلل. (في أستراليا, حيث تُستخدم المبيدات الحشرية العصبية بكثرة، لا يوجد سوس الفاروا, وتبقى مستعمرات نحل العسل سليمة.) وهناك عوامل آخرى تؤدي إلى هذا الانهيار, من بينها: مبيدات الفطريات والقحط والغذاء القليل التنوع.
هذه المشكلة المركّبة قد يكون مردّها إلى أنّ نظامنا الزراعي يعتمد على نحل العسل ويسهم في نفوقه في آن واحد. فالاعتماد على نوع واحد من النحل في تلقيح نحو 100 محصول مختلف هو أمر لا يمكن تبريره. وفي كل عام, يطوف النحّالون بخلايا نحلهم في أرجاء البلاد بعربات مقطورة عقب إزهار المحاصيل المختلفة: من اللوز إلى الكرز إلى التفاح، إلى غير ذلك. وغالبا, عندما لا تكون المحاصيل مزهرة, لايكون هناك الكثير للنحل ليأكله. عندئذ، يقوم النحّالون بتكملة غذاء النحل بشراب الذرة أو الماء المحلّى - وهما ليسا بالقيمة الغذائية نفسها التي تزوّدها حبوب اللقاح ورحيق الأزهار الطبيعيين. إضافة إلى ذلك, وأثناء مناسبات تلقيح واسعة للمحاصيل (مثل إزهار اللوز), تتجمع نحو 1.5 مليون خلية نحل من شتى أنحاء البلاد في كاليفورنيا - مُهَيِّئة بهذا ظروفا شبه مثالية لنقل الأمراض. وما عليك إلا أن تتخيل تجمعا ضخما لمنتسبي رياض الأطفال والجراثيم تتناقل فيما بينهم في البلاد من كل حدب وصوب.
قوّة الزهرة(***)
في يوم مشمس من أوائل الشهر 4, وبعد وقت من انتهاء موسم إزهار اللوز, ذهبتُ إلى <ويليامز> [الذي يعمل الآن بجامعة كاليفورنيا في ديفيز] للاطلاع على أنشطته البحثية الحديثة. وبجانب حقلٍ لشجر الجوز قرب الجامعة امتدّ لبضع مئات من الياردات صفّ من الشجيرات الطويلة غرسها الباحثون, مكوّنٍ من: براعم حمراء غربية (شجيرة صغيرة في العائلة البقولية) وتوت القهوة ونبات الصمغ والمريمية(11) وفرشاة الذئب(12). وكانت هذه الشجيرات على درجات متفاوتة من الإزهار, وهناك نحل أسود صغير يطير من زهرة إلى أخرى. إنه النحل البنّاء mason bees المعروف ببنائه حجيرات صغيرة داخل مساكنه الخشبية.
وفي عام 2012, سجلت <كريمين> وفريقها ما مجموعه 130 نوعا من النحل البلدي الذي جذبته سياجات شجرية مجاورة لأربعين حقلا من حقول المزارع المختلفة. واستنادا إلى سجلات تاريخية, كانت كاليفورنيا موئلا لنحو 1600 نوع من النحل البلدي - حتى وإنْ لم يكن من الواضح كم بقي منها في هذا الوقت. وأشارت دراسة حديثة نشرت في المجلة Science إلى أنه على مدى 120 عاما فقدت إلينوي نصف أنواع نحلها البري. ومردّ ذلك, إلى حدّ كبير, تناقص أعداد النباتات البرية المزهرة. وتوصّلت دراسة أخرى إلى أنّ أربعة أنواع من النحل الطنان bumblebees الأمريكي فقدت %87 من موائلها, مما خفض مراتبها بنسبة %96.
تأمل <كريمين> بأن تثبت أنه ليس فقط السياجات الشجرية التي تجتذب النحل, وهذا واضح بالفعل, بل وكذلك بأن تلك السياجات تزيد من مجمل عدد النحل وتنوّعه في المنطقة بدلا من سحبه من أماكن أخرى. ويقول <.L مگونيگل> [باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر <كريمين>]: «إنّ من الممكن لك أنْ تزرع سياج الشجيرات هذا, وسيقوم هو باستهواء النحل من حوله,» ثم يضيف: «عندما يزهر محصولك, يصبح أكثر جذبا للنحل البلدي من المناطق الريفية.» وبكلمات أخرى، فإن أسلوب التجديد قد يهمّ كثيرا.
في مزرعة بحوث تمتلكها جامعة كاليفورنيا في ديفيز, هناك حوض عملاق لنباتات يصل ارتفاعها إلى الركبة. وبعض هذه النباتات كان مبرعما ومُزهرا بالفعل, وضاربا جذوره بين صفوف المحاصيل المرتبة بأناقة باتجاه الأفق. وهنا يُجري <ويليامز> تجاربه على نباتات عشبية عريضة الأوراق (معمّرة وحولية), والتي من الممكن أن تستهوي المزارعين الذين لايرغبون في وجود النباتات الخشبية المزعجة في حقولهم. والأنواع النباتية التسعة في تجارب <ويليامز> الحالية هي توليفة نباتات صحراوية ومحلية جرى اختيارها بغرض إدامة التنوع والوفرة على مدار الموسم.
ويأمل العلماء أيضا بأن يعرفوا أكثر العلاقةَ بين النحل البلدي ونحل العسل. وفي دراسة نُشرت عام 2013, كشف باحثون من مختبرات <ويليامز>< وكريمين> أنّ نحل العسل يُصبح أكثر فعالية في تلقيح شجر اللوز بوجود كل من الأنواع البلدية المختلفة ونحل البستان الأزرق المروض blue orchard bees, وهو نوع مُدار managed. وكلما زادت كفاءة نحل العسل في العمل, قلّ العدد المطلوب في تلقيح حقل من الحقول. ويدرس الباحثون الآن فيما إذا كان أثر كيميائي معيّن يتركه النحل البلدي يحفز في الواقع نحل العسل على مزيد من التنافس.
إن السياجات الشجرية والأزهار البرية تبدوان وكأنهما بستانان مهذبان يعتمران قبّعات مرنة. ومع ذلك, فإنّ مجمل الأمر ببساطة يبدو وكأن إعادة الموئل الأصلي إلى المَزارع قد تمثّل بداية لثورة زراعية تُتيح ديمومة أكثر لمصادرنا الغذائية. ولا توجد تقانة حالية يمكنها تلقيح المحاصيل. ففي جنوب غرب الصين أدى فقدان الموائل والإفراط في استخدام المبيدات الحشرية والجني الجائر للعسل إلى هروب النحل، حيث اضطر العاملون إلى القيام يدويا بتلقيح بساتين التفاح والخوخ - إذْ إنهم ينقلون اللقاح من زهرة إلى أخرى بفراشٍ صغيرة. وهذا العمل يحتاج إلى جهود جبارة وعمالة كثيفة للغاية. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة تنتج الفواكه بتكلفة باهظة. فالنحل - وليس نحل العسل فقط - هو أملنا الوحيد.
وإحدى الطرق التي يهدف بها العلماء إلى تنشيط هذه الثورة الزراعية هي الاستعانة ببرنامج يُطلق عليه التلقيح المتكامل للمحاصيل (ICP)(13). ويتكون هذا البرنامج الذي تموّله وزارة الزراعة الأمريكية من سلسلة خيارات وخطوات لتحسين نوعية نحل العسل - بما في ذلك توسعة الموئل والحدّ من استخدام المبيدات الحشرية وإضافة ملقِّحات مدارة. ويتوفر حاليا, وعلى نحو تجاري, بضعة أنواع أخرى من النحل - مثل مجموعة البستان الأزرق(14) التي يمكنها مساعدة المزارعين على تحسين نوعية مجتمع نحل العسل.
لقد بدأ برنامج التلقيح ICP كفكرة جالت في خاطر <.R إسحاق> [عالم الحشرات في جامعة ولاية ميتشيگن] الذي يقضي كثيرا من الوقت بين الشجيرات المثمرة. وأثناء دراسته لطرق تمكنه من مكافحة الخنفساء اليابانية وأعداء آخرين لشجيرات التوت الأزرق(15) بدأ بملاحظة جميع النحل وليس نحل العسل فحسب, فقد لاحظ نحل ميتشيگن البلدي مثل: نحل B. impatiens الطنان الممتلئ, والنحل ذو الأكتاف المشعّرة Andrena bees, ونحل Ceratina الأسود الصغير الذي يبني أعشاشه في سيقان النباتات النحيلة المجوّفة. وأدرك عالم الحشرات <إسحاق> أنه ما من أحد يستطيع فعلا أنْ يفرق بين أنواع النحل وأعداده. لذلك شرعتْ <.J تيول> [طالبة الدراسات العليا بمختبره] في تصنيف النحل. وقد وجدت 112 نوعا من النحل البلدي يحوم حول حقول توت أزرق في طور الإزهار, و54 نوعا إضافيا كان نشطا قبل الإزهار وبعده.
تُبرز أزمةُ نحل العسل الخطرَ الهائل الذي أوجدناه داخل نظامنا الزراعي باعتمادنا على حشرة واحدة لتلقيح هذا الكمّ الهائل من مصادرنا الغذائية.
|
فقد كان معظم النحل البلدي من أنواع انفرادية المعيشة: أفراد تبني أعشاشها في التربة بدلا من العيش في مستعمرات جماعية. وأكثر الأنواع شيوعا كانت Andrena carolina (نحلة بنّية متوسطة الحجم تجمع غبار الطلع من النباتات التي تنتمي إلى عائلة التوت الأزرق فقط - بما فيها التوت الأحمر والتوت البري والأزالي(16)). وعلى وجه العموم, كان النحل في معظمه من الأنواع العامة التي تجمع اللقاح من مجموعة واسعة من النباتات.
وقبل بضع سنوات, قرر <إسحاق> و <كريمين> أنْ يحددا عدد النحل البري الذي يسهم في تلقيح التوت الأزرق. وقد قدر الباحثون أنّ قيمة المحاصيل الملقحة عن طريق النحل البري تبلغ نحو 3.1 بليون دولار سنويا, في حين أنّ المحاصيل الملقحة عن طريق نحل العسل كانت على وجه التقريب 15 بليون دولار. واكتشف <إسحاق> أنه في الحقول الصغيرة التي تقل مساحة الواحد منها عن فدّان(17) مربّع يكون النحل البري مسؤولا عن تلقيح ما مساحته %82 من الحقل. أما في الحقول الكبيرة (1.5 – 16 فدّانا) فلم يلقّح النحل البري إلا %11 من مساحة الحقل. وحيث إنّ غالبية التوت الأزرق في ميتشيگن تنمو في مزارع كبيرة, قدّر <إسحاق> أنّ النحل البري يلقّح %12 فقط من شجيرات التوت الأزرق في هذه الولاية. وأضاف <إسحاق> أن هذا بعيد للغاية عن أنْ يكون كافيا كضمان عدم تراجع عدد نحل العسل.
بَيْدَ أنّ الأمر سيكون مختلفا لو أنه كان لدى المزارعين حافز اقتصاديّ لإضافة موائل في الحقول المستريحة(18) أو في مناطق معرّضة للصقيع, أو تتّسم بتربة فقيرة أو أنها خلاف ذلك غير صالحة لشجيرات التوت الأزرق. وقد قام أحد الطلبة الخريجين في مختبر <إسحاق> بتقصّي موضوع التلقيح في خمسة من حقول التوت الأزرق بمساحة حدّها الأقصى 10 فدادين مزروعة بما تصل مساحته إلى فَدّانين بأزهار ميتشيگن البرية البلدية في خليط يُزهر من الربيع حتى بداية الخريف. وبيّنت الدراسة, التي لم تُنشر أو تعرض على محكمين علميين بعد, أنّ تجمعات النحل البلدي المتنامية زادت من محاصيل ثمار التوت الأزرق، ممّا مكّن المزارعين من استرداد تكلفة إنشاء موائل خلال ثلاث أو أربع سنوات. ويقول <إسحاق> إنّ كلفة إنشاء موئل تبلغ نحو 600 دولار للفدّان الواحد, وإن إدارة خدمة الحفاظ على الموارد الطبيعية (USDA NRCS)(19) التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية, لديها برامج ستغطي ما بين 50 إلى 90 في المئة من النفقات.
جغرافية النحلة
نحل بلا حدود(****)
لا يعتمد المزارعون في الولايات المتحدة الأمريكية على النحل البلدي أو حتى على نحل العسل لتلقيح ما يكفي من المحاصيل الزراعية، ولكنهم يحتاجون إلى جلب خلايا نحل من 1600 خلية مهاجرة عابرة للبلاد ما بين شهور 2 و 11، وهذه الهجرة السنوية تجهد النحل وتُلْحِقُ ببعضه أمراضا تجعل النحل المريض يختلط بالنحل السليم ويقلل من حصوله على وجبات غذائية صحية في طريق الهجرة.
(1) في الشهر الثاني من كل عام يلتقي معظم النحّالين في الوادي الأوسط لتلقيح أكثر من 800000 فدان من اللوز. أما التفاح والبرقوق والكرز في كاليفورنيا والولايات المجاورة فيلزمهما أيضا لقاح نحل العسل.
(2) في أشهر الصيف, يتجه كثير من النحّالين التجاريين إلى داكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية، حيث يسمحون لنحلهم بالتهام حقول الفصة والبرسيم وزهرات دوار الشمس لإنتاج معظم عسلهم لتلك السنة.
(3) في فصليّ الربيع والصيف يسافر بعض النحّالين إلى حقول المزهرة في ميتشيگن ومستنقعات التوت البري في ويسكونسن. وآخرون يؤثرون الذهاب إلى حقول البطيخ والكنتالوب والخيار في تكساس, التي تجتذب النحالين في فصل الخريف لتلقيح القرع.
(4) نظرا لتغير مناخ فلوريدا من شبه استوائي إلى استوائي, تكون بعض النباتات مزهرة دائما في الولاية المشمسة. وتعتمد فلوريدا على نحل العسل في تلقيح التوت الأزرق في وقت مبكر من الشهر 2، والطوبال (شجر ضخمة في شمال أمريكا) والبلوط الأخضر في الشهر 4، وأشجار الفلفل البرازيلي في الشهر 9.
(5) يسافر النحّالون المتنقلون إلى شمال وجنوب الساحل الشرقي على مدار العام كذلك, وهم يترددون على حقول التفاح والكرز والقرع والتوت الأزرق والتوت البري والخس والخضار المختلفة في مين وبنسلفانيا وماساتشوسيتس ونيويورك ونيوجيرسي.
(1) في الشهر الثاني من كل عام يلتقي معظم النحّالين في الوادي الأوسط لتلقيح أكثر من 800000 فدان من اللوز. أما التفاح والبرقوق والكرز في كاليفورنيا والولايات المجاورة فيلزمهما أيضا لقاح نحل العسل.
(2) في أشهر الصيف, يتجه كثير من النحّالين التجاريين إلى داكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية، حيث يسمحون لنحلهم بالتهام حقول الفصة والبرسيم وزهرات دوار الشمس لإنتاج معظم عسلهم لتلك السنة.
(3) في فصليّ الربيع والصيف يسافر بعض النحّالين إلى حقول المزهرة في ميتشيگن ومستنقعات التوت البري في ويسكونسن. وآخرون يؤثرون الذهاب إلى حقول البطيخ والكنتالوب والخيار في تكساس, التي تجتذب النحالين في فصل الخريف لتلقيح القرع.
(4) نظرا لتغير مناخ فلوريدا من شبه استوائي إلى استوائي, تكون بعض النباتات مزهرة دائما في الولاية المشمسة. وتعتمد فلوريدا على نحل العسل في تلقيح التوت الأزرق في وقت مبكر من الشهر 2، والطوبال (شجر ضخمة في شمال أمريكا) والبلوط الأخضر في الشهر 4، وأشجار الفلفل البرازيلي في الشهر 9.
(5) يسافر النحّالون المتنقلون إلى شمال وجنوب الساحل الشرقي على مدار العام كذلك, وهم يترددون على حقول التفاح والكرز والقرع والتوت الأزرق والتوت البري والخس والخضار المختلفة في مين وبنسلفانيا وماساتشوسيتس ونيويورك ونيوجيرسي.
|
ويواصل الباحثون سعيهم إلى إيجاد أفضل الطرق لرعاية النحل البلدي, لكن المزارعين يستطيعون البدء بتحسين تلقيح المحاصيل الآن. و<.J فرانكي> [اختصاصي علم أحياء النحل بجامعة كاليفورنيا في بيركلي, ويقع مكتبه فوق مكتب <كريمين> مباشرة] أمضى أكثر من عقد من الزمن في تصميم موائل نحل للحدائق الحضرية, وبدأ الآن بتطبيق هذه الخبرة على الزراعة. يقول <فرانكي>: «ليس بالاستطاعة امتلاك مقاس واحد يناسب جميع الأنماط,» ثم يتابع: «كل مزرعة ستكون مختلفة باختلاف حاجاتها. لكن الفكرة أنه سيكون بمقدورنا أن نكتب وصفة لأي مزرعة: أنتم بحاجة إلى كذا وكذا وكذا.» وقام <فرانكي> بغرس مزيج من الشجيرات والنباتات العشبية قرب شجيرات العليق blackberry وأشجار الكرز في أربع من مزارع مدينة برينتوود في كاليفورنيا (على بعد ساعة من بيركلي). وهو بهذا يأمل أنْ يعدَّ سلسلة من دراسات الحالات case studies مثل - «حاصدة بساتين, حاصدة صفوف, 25 فدّانا, 145 فدّانا» - مما يمكن أنْ يستخدمه للوصول إلى أنواع مماثلة من المزارع.
في تلك الأثناء, تشاركت منظمة (Xerces (20, مستخدمة بيانات من <كريمين> و<ويليامز> وآخرين, مع الإدارة USDA NRCS في بناء «برنامج تحسين الملقِّحات». ومنذ عام 2009 قامت المجموعة بتدريب أكثر من 20000 مزارع يمثلون وزارة الزراعة الأمريكية وبرنامج USDA ووسطاء زراعيين - على معرفة قيمة النحل البلدي. كما أنها طوّرت حزمة خطوط إرشادية محسوسة للمزارعين, أوضحت فيها كيفية تخطيط مرْجٍ meadow لاجتذاب النحل البلدي, وتقليل آثار المبيدات الحشرية.
والمزرعة التي تُنشأ لاستقبال النحل البلدي يمكن أنْ تكون أفضل حالا في نهاية المطاف, من تلك التي تعتمد على نحل العسل. إنّ هناك أكثر من 20000 نوع من النحل البلدي تحوم حول العالم. ومن الأرجح بكثير أن هذا النحل, أكثر قدرة كمجموعة, على التعافي من المرض والتعامل مع الظروف المناخية القاسية extreme weather من أي نوع منفرد من الملقِّحات. وتعتقد <كريمين> أنّ السياجات الشجرية ما هي إلا خطوة أولى, وأنّ التحدي الحقيقي سيكون شمول مزارع بمساحة 1000 فدّان, وإعادة الملقِّحات إلى مساحات واسعة من المناطق الزراعية الأحادية المحصول. إنها تتصوّر نظاما تكون فيه المزارع مقسّمة إلى وحدات منفصلة تزهر في أوقات مختلفة, بحيث يتوفر هناك طعام دائم للملقِّحات.
إنه نظام أخذ به بالفعل بعض المزارعين. ففي الوادي الأوسط يقوم <.F مولر> وشقيقاه بزراعة تشكيلة مختلفة من المحاصيل التقليدية والعضوية لسلسلة متاجر - مثل Safeway و Walmart, بما في ذلك الطماطم المعلبة والخيار المخلل وكل شيء من اللوز إلى عنب النبيذ إلى زهرات دوار الشمس. وقام أفراد هذه العائلة بزراعة موئل لاجتذاب نحل بلدي, وشرعوا في عملية تربية نحل العسل في مزرعتهم الخاصة. وسيزرعون أيضا نباتات اختيرت خصيصا لتأمين الرحيق في الأشهر المتبقية، وبذلك لن نفقد نحلنا. وعن الأزمة, «فما نحتاج إليه هو فقط إدارتها بشكل مختلف.»
حتى هذه اللحظة لا زالت عائلة <مولر> ضمن أقلية. فليس جميع المزارعين على استعداد لأنْ ينقلبوا على أساليبهم الضاربة في القدم في فعل الأشياء - أو أنْ يدفعوا مالا من أجل جلب مزيد من الملقِّحات, على الأقل حتى تلسعهم مباشرة نيران مأزق نحل العسل وتُلحق بهم الضرر. ومع استمرار معاناة نحل العسل, يزداد عدد المزارعين الذين من الممكن أن يعْدلوا عن رأيهم في هذا الصدد.
ويعتقد <مگونيگل> أنّ أزمات نحل العسل يمكن أنْ تكون «نعمة بزيّ نقمة»، لأنها «تُجبرنا على أنْ نفكر: ما الذي علينا أنْ نفعله للإبقاء على إنتاجنا من الغذاء؟ في المدى الطويل, قد ننظر خلفنا ونقول: بخٍ بخٍ, لقد كانت هذه وسيلة جيدة لجعلنا نعيد النظر في أولوياتنا, ونبدأ التفكير بالحفاظ على الأنواع البلدية من النحل.»
أثناء مشاهدتي لخليط نحل العسل وأبناء عمومتها البرية وهي تنتقل برشاقة بين الزهور الأرجوانية في إحدى سياجات <كريمين> الشجرية, يسهل عليّ أنْ أفهم ما الذي يعنيه <مگونيگل> بقوله. فنظامنا الزراعي الحديث برمّته نما مع نحل العسل، لذا لن يكون علينا أبدا أن نعتقد أنّ الاعتماد على نوع واحد من الملقِّحات لايمكن على الأرجح أن يكون أمرا مستداما. وهذا قد يكون نافذة لفرصة قصيرة الأمد.
المؤلفة
<روزنر> كاتبة مستقلة مقيمة في كولورادو. وهي تكتب لصحف ومجلات مثل: Wired ،the New York Times, Mother Jones, Popular Science وغيرها.
Hillary Rosner
sa0913Rosn02.psd
مراجع للاستزادة
The Beekeeper’s Lament: How One Man and Half a Billion Honey Bees Help Feed America. Hannah Nordhaus. HarperCollins, 2011.
Are Neonicotinoids Killing Bees? A Review of Research into the Effects of
Neonicotinoid Insecticides on Bees, with Recommendations for Action. Jennifer Hopwood et al. Xerces Society for Invertebrate Conservation, 2012.
www.xerces.org/neonicotinoids-and-bees
(*) RETURN OF THE NATIVES
(**) GHOST SHIPS
(***) FLOWER POWER
(****) Bees without Borders
(1) colony collapse disorder: خلل نظام إدارة مستعمرة النحل.
(2) ultragreen bee النحل الفائق الخضرة.
(3) biologist أخصائي بالأحياء.
(4) beekeepers؛ مربّو نحل.
(5) خلاية النحل : beehive.
(6) folic acid حمض الفوليك.
(7) scurvy: مرض ناتج من نقص فيتامين C (الاسقربوط).
(8) reaper’s scythe
(9) pollen غبار الطلع أو حبوب اللقاح.
(10) neonicotinoids أو neonics (مبيد حشري).
(11) sage (ميرمية).
(12) coyote brush: شجيرة تنمو في كاليفورنيا.
(13) Integrated Crop Pollination التأبير الخلطي للمحاصيل.
(14) the blue orchard الحديقة الزرقاء.
(15) blueberry؛ أو العنبية.
(16) azalea الأضاليا.
(17) acre: يساوي 4047 مترا مربع.
(18) fallow fields: أرض تحرث ثم تترك موسما كاملا من غير زرع رغبة في راحتها (حقول مبورة).
(19) the USDA’s Natural Resource Conservation Service مصلحة صيانة المصادر الطبيعية للولايات الأمريكية المتحدة.
(20) منظمة بيئية غير ربحية.
تاريخ النشر ديسمبر2013 المصدر: مجلةالعلوم الكويتية / المجلد 29 /
مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف * www.na7la.com * منذ عام 2007
|
|