موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب
   الصفحة الرئيسية           المـقـالات            أخبار النحالة            بحوث حديثة           الــصـــور            المـجـلــة   
أساسيات تربية النحل أرسل لنا مقالاً أو خبراً
أو صورة لنشرها

الأساس الحِسّي للغة الرقص عند نحل العسل

Wolfgang H. kirchner كيرشنر William F. Towne وتاوني
ترجمة هشام نحال
Hicham.Nahal@yahoo.com



إن استخدام إنسالة(1) (روبوت) لتدريب أفراد النحل على الاستجابة للصوت، واستنفارها للخروج من العش بحثا عن الطعام، هو من التجارب الحديثة التي وضعت نهاية لعدد من نقاط الجدل والخلاف في الرأي حول لغة الرقص.

مضت قرون عديدة وعلماء الطبيعة يلاحظون أن أفراد نحل العسل تخبر رفيقاتها بما يتم كشفه خارج العش، ومع ذلك فقد ظل نظام التواصل المستخدم بين الحشرات سرا حتى الأربعينات عندما حقق ڤون فريش (من جامعة ميونيخ بألمانيا) أول كشف عن مدلول رقصات النحل، حيث ترتبط خطوات النحلة الكشافة واهتزازات جسمها ارتباطا وثيقا بالمسافة الدقيقة (المضبوطة) من العش إلى مصدر الطعام الذي نجحت في الكشف عنه، وبالاتجاه المحدد من العش إلى هذا المصدر.

وعلى امتداد العَقْديْن التاليين لتاريخ هذا الكشف ظل معظم العلماء على اعتقادهم بأن أفراد النحل تعتمد في المحل الأول على هذه الحركات الصامتة لتحقيق التواصل فيما بينها.

وفي الستينات واجهت هذه النظرة تحديات من زاويتين. وأول من بادر بالتحدي باحثان هما: (M.A. ڤنر) ، الذي كان حينذاك طالب دراسات عليا في جامعة متشيغان وهو الآن في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، و (E.H. إش)  من جامعة ميونيخ وهو الآن في جامعة نوتردام. وقد توصل هذان الباحثان ـ كل على حدة ـ إلى كشف أن رقصات النحل ليست صامتة بحال من الأحوال، بل إن النحلة وهي ترقص تبث أصواتا خافتة منخفضة التردد. وقد رجّح كلا الباحثين أن لهذه الأصوات دورا حاسما في إتمام عملية التواصل بين النحل. وتفسير ذلك في نظرهما أن الصوت هو الوسيلة المعقولة الوحيدة التي يمكن لأفراد النحل عن طريقها أن تتواصل بفاعلية في الظلام التام الذي يسود العش. بيد أن كثيرا من العلماء كانوا يعتقدون في ذلك الوقت أن النحلة حشرة صماء؛ وهكذا ظل باب الخلاف مفتوحا.

وفي وقت لاحق أثار ڤنر التحدي الثاني لنظرية ڤون فريش عن لغة الرقص مدعيا أن أفراد النحل إنما تعتمد على الرائحة في العثور على مصدر الطعام الذي أعلنت عنه النحلة الراقصة، دون حاجة إلى استخدام شيء من المعلومات التي ترمز إليها الرقصات أو الأصوات.



إنسالة لنحلة عسل، يتم توجيهها بتشغيل سلسلة من المحركات المتدرجة فترقص وتصدر أصواتا مثلما تفعل النحلة الكشافة الحية (الصورة العلوية)، والتجارب التي استُخدمت فيها هذه الإنسالة قد مكنت الباحثين من استكشاف الكيفية التي تندرج بها الأصوات ضمن لغة الرقص. وثمة محقن ينتهي طرفه بالقرب من رأس الإنسالة الراقصة يوزع قطرات ماء السكر على أفراد النحل التي تستجيب له بطريقة كبيرة الشبه بما تفعله النحلة الكشافة الحية وهي تمنح رفيقات عشها عينات الطعام (الصورة اليسرى).

والآن تم حسم الخلاف حول هاتين النقطتين بعد أن اتضح أن النحل تسمع وأن أعضاء السمع لديها مهيأة جدا لالتقاط الأصوات المصاحبة للرقصات. وإن المشاهدات لكيفية استجابة أفراد النحل لحركات إنسالة (نموذج آلي) ترقص وتغني كما تفعل النحلة الكاشفة الحية، تشير إلى أن الصوت والرقص ـ كليهما ـ ضروريان لنقل المعلومات الدالة على موضع الطعام.

وقد أوضحت التجارب أنه لا الرقصة الصامتة وحدها ولا الأصوات غير المصحوبة بالرقص يمكنها أن تنقل شيئا من المعلومات. أما الروائح فلها أيضا دورها في إتمام عملية التواصل، ولكنه ليس بهذه الدرجة من الأهمية التي نسبها إليه ڤنر. وعلاوة على حسم هذه الأمور فقد عرفنا حديثا الكثير حول طبيعة الأصوات المصاحبة للرقص، وحول حاسة السمع عند النحل، وحول مفردات الرقصة التي هي ذات أهمية قصوى في إتمام عملية التواصل.

إن كشف الحجاب عن هذا السر الذي طال غموضه هو مبعث سرور مؤكد. فأرسطو طاليس نفسه كان قد أثبت قدرة نحلة العسل على استنفار رفيقات عشها للخروج بحثا عن مصدر الطعام الطيب، ولكنه لم يقدم تصوره للكيفية التي تم بها التواصل بين الطرفين. وعلى أي حال لاحظ أرسطو، وغيره من علماء الطبيعة، أن النحلة التي تجد مصدرا جديدا للطعام تعود للعش وترقص أمام أخواتها بدلا من أن تنعم بالطعام وحدها. ومما يروى أن عالما طبيعيا آخر هو (پلايني)(2) كان قد بنى عشا للنحل ذا نافذة من قرن شفاف أمكنه من خلالها أن يراقب أفراد النحل وهي ترقص.

أما ڤون فريش وتابعوه من أبناء القرن العشرين فقد أتيح لهم ـ عن طريق دراسة النحل الموضوع داخل أعشاش زجاجية الجُدُر ـ أن يتعرفوا شكل الرقصة وكيفية أدائها: تمشي النحلة الكشافة عبر ألواح الشمع المعلقة رأسيا في العش في مسار يتخذ شكل الرقم 8، وهي تتوقف عند كل منعطف بين شطري هذا الرقم لتهز جسمها هزات متلاحقة من جانب إلى آخر، فيتجمع عدد قليل من أفراد النحل بالقرب منها ويتأملن رقصتها بانتباه لبعض الوقت ثم يطرن تجاه الهدف دون دليل؛ فإذا ما راق لهن ما يجدنه هناك عدن إلى العش ورقصن بدورهن داعيات بذلك مزيدا من أفراد النحل إلى ترك العش بحثا عن مصدر الطعام.

وهكذا فإن أفضل مصادر الطعام هي التي تدعو إلى المزيد من الرقصات وتجذب بالتالي أكبر عدد من النحل.

كان ڤون فريش في عشرينيات هذا القرن أول من أعلن أن رقصة النحلة الكشافة تعطي ـ بطريقة ما ـ بعض المعلومات بشأن مصدر الطعام، ولكنه لم يُكشف إلا في عام 1943 أن اتجاه رأس النحلة أثناء حركتها الاهتزازية. يشير بالتحديد إلى موضع الطعام بالنسبة للشمس: لوكان رأس النحلة ـ وهي تؤدي هذه الحركة ـ يشير إلى ما يقابل الرقم 12 على ميناء الساعة فمعنى ذلك أن الطعام موجود في طريق متجه إلى الشمس، أما لو كان الرأس يشير إلى ما يقابل الرقم 10 فمعنى ذلك أن الطعام يقع على مسار يصنع زاوية قدرها 60 درجة إلى يسار خط المواجهة مع الشمس. وإضافة إلى ذلك، لاحظ ڤون فريش ارتباطا تناسبيا بين سرعة إتمام النحلة دوراتها أثناء رقصها وبين بُعد الطعام عن العش: كلما كان الطعام أقرب إلى العش كانت حركتها أسرع وأشد حماسة. إن ڤون فريش وزملاؤه استعملوا ساعة توقيفية stop watch لقياس مدة كل حركة فأمكنهم بذلك فك شفرة الرقصة وبالتالي تحديد موضع الطعام الذي تعلن عنه النحلة الراقصة بدقة كبيرة. وقد قدموا تقارير مفصلة عن لغة الرقص عند نحلة العسل، وكانت ترجمتهم الدقيقة لهذه اللغة إنجازا مذهلا وباعثا على الإعجاب.

وعلى الرغم من ذلك كله بقيت بضعة أسئلة مهمة بلا جواب: أولها هو أن الباحثين لم يتمكنوا من إثبات أن الرقص قد أدّى حقيقةً وظيفة اللغة. فمن الجائز أن يكون ما شاهدوه من ارتباط بين تلك الحركات المضطربة للنحلة الكاشفة وبين ما وجدته في الحقل مجرد مصادفة ليس لها دلالة بالنسبة للنحلة المتلقية ذاتها. وعلاوة على ذلك كان على الباحثين أن يقدموا تصورا للكيفية التي تمكّن بها أفراد النحل من استقبال إشارات الرقصة وتفسيرها. إن هؤلاء العلماء كان بمقدورهم رؤية النحلة الراقصة بوضوح من خلال النافذة الزجاجية، وقياس المدة الزمنية لحركاتها. أما أفراد النحل ـ وهي تعيش عادة في أعشاش مظلمة ـ فبالتأكيد لم تكن لها هذه المزية، إذًا ـ يا ترى ـ ما كنه هذه الرقصات من وجهة نظر أفراد النحل؟


تقدم النحلة الكشافة العائدة من الحقل تقريرا بما وجدته خارج العش بأن ترقص وترف بجناحيها محدثة بذلك أصواتا منخفضة التردد يحملها الهواء، وتتزاحم رفيقات عشها حولها وتلتقط هذه الأصوات بوساطة عضو السمع الدقيق الموجودة على الشدفة الثانية من كلا قرني الاستشعار؛ وبعد ملاحظة الرقصة بانتباه لبرهة وجيزة تطير خارج العش بحثا عن موضع الطعام دون حاجة إلى دليل.

بعد سنوات من نجاح ڤون فريش في فك رموز رقصات النحل اكتشف (ڤنر) و(إش) ـ كل على حدة ـ أن النحلة الراقصة تُحدث أصواتا أثناء حركتها الاهتزازية، وقد افترض كلاهما أن هذه الأصوات قد تساعد النحلة الراقصة على جذب "مستمعين" من بين أفراد النحل التي تعيش داخل العش المظلم ـ بيد أن كثيرا من الباحثين قد شككوا في صحة هذا الرأي لظنهم أن النحلة لا تستطيع التقاط الأصوات التي يحملها الهواء؛ ومع ذلك فلم يكن بالإمكان نبذ هذه الفكرة برمتها أو تجاهلها، إذ إنه من المعروف أن كثيرا من الحشرات ـ بما فيها النحل ـ لديها حساسية تامة للاهتزازات. ومن ثم فقد رأى بعض الباحثين أن الأصوات التي تصدرها النحلة الكاشفة أثناء رقصها يمكن أن تُحدِث في ألواح الشمع ـ الموجودة تحت أقدام النحلة ـ اهتزازات من شأنها أن تعلن عن الرقصة بين أفراد النحل التي لم تكن لترى النحلة الكاشفة رأي العين والعش يسوده الظلام.

ومنذ بضع سنوات تمكن أحد كاتبي هذا المقال (كيرشنر) من الإجابة عن جزء من هذا السؤال بالاشتراك مع باحث آخر هو (A. ميشلسن) من جامعة أودينس في الدنمارك. وقد سلط الباحثان ـ في التجارب التي أجرياها ـ حزمة من أشعة الليزر على لوح الشمع قريبا من نحلة تؤدي رقصتها، بقصد معرفة ما إذا كانت أصوات الرقصة ستولد اهتزازات في اللوح. ومن المعروف أن الاهتزازات السطحية ـ لو حدثت ـ من شأنها أن تُحدث تغييرات في الضوء المنعكس من على سطح اللوح. وبهذه الطريقة تمكن الباحثان من قياس الاهتزازات دون لمس اللوح الذي كان من شأنه أن يطلق في الضوء المنعكس ارتعاشات إضافية. وقد أسفرت هذه القياسات عن أن النحلة الراقصة لا تُحدث في الألواح أي اهتزازات من شأنها أن تولِّد صوتا، إنما تَحدث هذه الاهتزازات بفعل أفراد النحل التي تتابع رقصة النحلة الكاشفة، والتي قد تطلق الواحدة منها "زعقة" قصيرة حادة بأن تدق بصدرها على اللوح لتولّد فيه هزات كافية لأن تدركها النحلة الراقصة فتتوقف عن الحركة، ثم تشرع في توزيع عينات صغيرة من الطعام الذي جمعته على أفراد النحل التي تجاوبت معها، وبذلك تتعرف مذاقه ورائحته إلى جانب تعرفها موقعه من العش ومدى قربها منه.

وعلى الرغم من أن هذه النتيجة كانت شائقة ومثيرة للغاية فإننا ظللنا لا نعرف ما إذا كانت أفراد النحل في العش قادرة على سماع الأصوات الصادرة عن النحلة الكشافة أثناء رقصها. ونظرا لما بدا لنا من احتمال كون هذه الأصوات جزءا من مكونات عملية التواصل فقد قمنا بتحليلها تحليلا دقيقا، فكان أول ما تكشَّف لنا هو أن النحلة الكاشفة تحدث الأصوات بأن تخفق بجناحيها الدقيقين، وأن توابعها من أفراد النحل يقتربن منها ويلازمنها عن كثب وهي تقوم بهذا العمل. لهذا، كان لا بد أن تتم قياساتنا الصوتية عند هذه الدرجة نفسها من القرب.


تؤدي النحلة رقصتها الاهتزازية على ألواح الشمع المعلقة رأسيا في العش بأن تتبع مسار الرقم 8، وعند المنعطَف بين كل لفّتين متكاملتين تتوقف وتؤدي حركتها الاهتزازية ملتزمة بوضع مطابق لوضع مصدر الطعام بالنسبة للشمس. فإذا أمكن إيجاد مكان الطعام بالطيران في اتجاه الشمس اهتزت ورأسها متجه إلى أعلى وجسمها في وضع رأسي تماما، أما لو كان الطعام على مسار مائل عن خط المواجهة مع الشمس بزاوية قدرها 135 درجة يمينا أو يسارا، جعلت النحلة محور جسمها مائلا بالزاوية نفسها إلى اليمين أو اليسار تبعا لذلك. أما إذا كان الطعام في طريق الطائر مُدْبرا عن الشمس فإن اتجاه رأس النحلة أثناء الاهتزاز يكون إلى أسفل مع الاحتفاظ بمحور جسمها في وضع رأسي تماما. وفي جميع الحالات يكون معدل سرعة الرقصة متناسبا مع المسافة بين الطعام والعش: كلما كانت الرقصة أسرع كان معنى ذلك أن الطعام أقرب إلى العش.

وقد قمنا، بالتعاون مع ميشلسن، بقياس تغيرات الضغط وحركات جسيمات الهواء في الحيز القريب من النحلة الراقصة. ومما يذكر في هذا المجال أن أعضاء السمع في بعض الحشرات لا تتجاوب مع تغيرات الضغط التي يحدثها الصوت كما هي الحال مع آذان البشر، وإنما تتجاوب لذبذبات جزيئات الهواء المجاور. وقد اتضح لنا حقيقة أن تغيرات الضغط الناتجة من رَفِّ النحلة الراقصة بجناحيها إنما هي تغيرات ضئيلة نسبيا. وبلا شك، يفسر هذا عجز آذان العلماء ـ على الرغم من حساسيتها للضغط ـ عن اكتشافها خلال هذه السنين الطوال.

ولكننا اكتشفنا ـ بقياساتنا ـ حدوث تحركات ملموسة في جزيئات الهواء على بعد مليمترات قليلة من أجنحة النحلة الراقصة أثناء اهتزازها، ومن ثم استنتجنا أن الإشارات الصوتية الصادرة عن النحلة الكاشفة إنما تنتقل كلية عبر الهواء في حين تنتقل الأصوات المستجدية التي تصدرها توابعها من النحل عبر ألواح الشمع. لذلك، فإن الأصوات الصادرة عن كلا الجانبين لا يشوش بعضها على بعض.

تبث النحلة الكشافة أثناء رقصها أصواتا متميزة عن تلك التي تحدثها النحلة التابعة. فالنحلة الكشافة ترف بأجنحتها فتولد أصواتا تنتقل كلية خلال الهواء حاملة معها المعلومات عن مكان الطعام خارج العش. وعلى خلاف ذلك، تدق النحلة التابعة بصدرها على لوح الشمع فيهتز فتصدر أصوات تستجيب لها النحلة الكشافة بالتوقف عن الرقص ثم تشرع في تقديم عينات الطعام.

وفي وقت لاحق قام فريقان للبحث ـ كل بمدخله التجريبي الخاص به ـ باختبار صحة الفرضية القائلة بالانتقال السمعي للمعلومات التي تعبر عنها رقصات النحلة الكاشفة.

ففي أحد الاتجاهين البحثييْن عمد (كيرشنر) و(K. زُمَّر) (وهي طالبة دراسات عليا في جامعة فويرتزبورغ بألمانيا) إلى تغيير أصوات الرقصة بطريقة مباشرة وبسيطة، هي تقصير أجنحة النحلة قليلا، وبذلك نقصت مساحة سطحها المهتز، ومن ثم فقد أصدرت أصواتا أعلى طبقة وأدنى شدة، أي أكثر خفوتا. وقد وجدت زُمَّر أن أفراد النحل التي قُصِّرت أجنحتها قد استمرت في مباشرة أعمال الاستكشاف وأداء الرقص بشكل طبيعي، ولكنها فقدت قدرتها على استنفار رفيقات العش، فصارت ـ من هذه الناحية ـ شبيهة بأفراد سلالة من النحل معروفة بقصر أجنحتها خِلْقيا ـ نتيجة لطفرة وراثية ـ وتسمى "ذوات الأجنحة المُصَغَّرة." من هذا المنطلق قامت زُمَّر بدراسة مستعمرة للنحل، نصف أفرادها من هذه السلالة والنصف الآخر من الأفراد النامية الأجنحة، فوجدت أن أفراد المجموعة الأخيرة قادرة برقصها على استنفار أفراد كلتا المجموعتين بالدرجة نفسها من الكفاءة. وعلى خلاف ذلك، كان حظ أفراد السلالة المصغرة الأجنحة من القدرة على الاستنفار بالرقص ضئيلا.


نجحت الإنسالة (النموذج الآلي) الراقصة (في اليسار) في استنفار أفراد النحل للخروج من العش بحثا عن الطعام. وقد وضع مصممو التجربة عينات الطعام كطُعم في ثمانية مواقع حول العش، وبرمجوا الإنسالة لتؤدي رقصة تعبر عن موقع واحد معين منها؛ وقام المراقبون في الحقل بتسجيل مشاهداتهم عن وفود النحل الباحثة عن الطعام. وقد ذهبت معظم أفراد النحل التي استجابت لنداء الإنسالة إلى موضع الطعام المستهدف الذي حددته الإنسالة برقصتها. ويظهر الرسم الأيمن محاولتين من هذا القبيل.
وفي السلسلة الثانية من التجارب استخدم ميشلسن وكيرشنر إنسالة (نموذجا آليا) تؤدي رقصات النحلة. وهذا عمل سبق إليه في بحوثهم آخرون، ولكن الإنسالات التي استخدموها لم تكن تصدر الأصوات الصحيحة أثناء رقصها. وهذا يوضح أهمية هذه المحاولة الجديدة التي قام بها ميشلسن ومعاونوه (في أودينس) بتصميم وتركيب هذه الإنسالة التي يمكن التحكم فيها بالحاسوب، والتي ظلت ترقص في فويرتزبورغ خمسة أصياف متتالية.

وقد صنع أفراد فريق ميشلسن هذه الإنسالة من النحاس الأصفر وقاموا بطلائها بطبقة رقيقة من شمع النحل. وكانت هذه النحلة النحاسية أكبر قليلا من شغالة نحلة العسل الطبيعية، وقد صنعوا لها أجنحة معدنية من شفرات الحلاقة بعد قصها إلى الشكل والحجم المناسبين، وتم توصيل هذه الأجنحة المعدنية بقرص كهرمغنطيسي، واستخدم جهاز تشغيل خاص يتحكم في جعلها تهتز، ويستطيع المجرب أن يدير الجهاز من موضعه بتحريك قضيب دقيق مثبت بظهر الإنسالة. كما تم توصيل جسم الإنسالة بمحرك مبرمج يجعلها تلف في مسار الرقم 8 وتهتز عند كل منعطف مقلدة بذلك رقصة النحلة الطبيعية، كما أُلحقت بجسم الإنسالة أجزاء يمكن تشغيلها بمحركات خاصة بحيث تجعل الإنسالة تتحرك يمينا ويسارا وإقبالا وإدبارا، كما تفعل النحلة الحية. وأخيرا رُكِّب في رأس الإنسالة أنبوب دقيق من مادة لدائنية يتصل بمِحْقَن يتم عن طريقه توزيع ماء السكر sugar water بنظام خاص يتحكم فيه محرك مبرمج. وقد خُصص حاسوب مكتبي للتحكم في كل المحركات التي توجه ـ بدورها ـ حركات الرقصة.

وفي العادة كانت تستغرق كل تجربة ثلاث ساعات، تبدأ بأن يقوم الباحثان بتعطير الإنسآلة وماء السكر بنفحة خفيفة من شذا الزهور، ثم يضعان طعوما من الغذاء تفوح منها آثار يسيرة من العطر نفسه في مواضع معينة من الحقل. وفي موضع كل طُعْم كان يقف ملاحظ لتسجيل توافد أفراد النحل الباحثة عن الغذاء في ذلك الموضع. وقد أظهرت نتائج التجارب المتكررة أن الإنسالة قد نجحت فعلا برقصها في استنفار أفراد النحل الحية، حيث تَوجّه معظمها بلا خلاف إلى الوجهة التي أشارت إليها خطوات الرقصة والتي أدت مباشرة إلى موضع الغذاء المستهدَف.

وتلا ذلك عدد من التجارب الإضافية استُخدمت فيها الإنسالة، وقد صممت هذه التجارب بحيث تحدد مدى أهمية العناصر المختلفة للرقص بالنسبة لأفراد النحل المتتبعة لها. وعلى سبيل المثال، قامت الإنسالة في بعض التجارب بتوزيع عينات الطعام دون أن ترقص فنتج عن ذلك نقص كبير في عدد أفراد النحل التي نجحت في الوصول إلى موضع الطعام المستهدف. وفي تجربة أخرى أدت الإنسالة رقصة صامتة فأخفقت تماما في استنفار النحل مما يدل على أن الأصوات حقا عنصر جوهري في لغة الرقص عند نحل العسل.

إن قدرة الإنسالة على أن تستنفر برقصها أفراد النحل الحية في العش قد أظهرت أن (ڤون فريش) كان على حق فيما أعلنه عن دور الرقص في إتمام وظيفة التواصل بين أفراد النحل. وعلى الرغم من اقتناع العديد من الباحثين بالأدلة الدامغة المؤيدة لنظرية ڤون فريش فإن بعض زملائنا تشككوا في قدرة النحل على استيعاب الإشارات التي تتضمنها الرقصة باعتبارها رمزا إلى المسافة والاتجاه.

وقد أثار كل من ڤنر و(.H.P ولز) (من كلية أوكسيدنتال الغربية) جدلا اشترك فيه آخرون وساقوا فيه الحجج بإصرار على أن إحداثيات الرقصة هي مجرد ارتباطات تناسبية وليست إشارات محددة الدلالة. وفي اعتقاد هؤلاء الباحثين أن أفراد النحل المستجيبة للرقص إنما تعتمد كلية على الروائح للعثور على مواضع الاغتذاء.

إن ڤون فريش نفسه قد بدأ بمحاولة اختبار مدلول حركات الرقص، وقد وجد أن أفراد النحل لا تستطيع الاهتداء إلى مصدر الطعام الصحيح لو أنها شاهدت الرقصة والعش في وضع أفقي على أحد جانبيه، ففي هذا الوضع (حيث تكون ألواح الشمع موازية لسطح الأرض لا متعامدة عليه كما هي الحال في الطبيعة) تنتفي الفرصة التي كانت متاحة للنحلة الراقصة لاستخدام الثقالة (الجاذبية الأرضية) في ضبط اتجاه جسمها أثناء حركتها الاهتزازية، ونتيجة لذلك لم تتمكن أفراد النحل المشاهدة للرقصة من تأويل تصرفاتها على الوجه الصحيح.


إن نطاق تردد الأصوات التي يمكن للنحلة كشفها يمتد إلى مدى بعيد دون النطاق الذي تلتقطه أذن الإنسان. وهذا الرسم البياني يوضح مدى السرعة التي يتحتم أن تنتقل بها جسيمات الهواء المجاور لأجنحة النحلة الراقصة لكي تحدث إشارات مسموعة. وفي حدود هذا النطاق تستطيع النحلة أن تميز بين الأصوات المتبانية التردد.

وفي وقت لاحق أحدث (K.J. گولد) (من جامعة پرنستون) ثغرة في فرضية الاعتماد الكلي على الرائحة، فقد برهن على أن النحلة الكشافة يمكن أن تستنفر رفيقات عشها إلى موضع لم تسبق لها زيارته أبدا، وبالتالي لم تحصل على عينة من طعامه، وهذا عمل خارق يستحيل حدوثه لو كانت الرائحة وحدها هي الدليل المعتمد عليه في الاهتداء إلى موضع الطعام، ولكنه ممكن الحدوث لو أن النحلة الباحثة اعتمدت في المقام الأول على المعلومات التي حصلت عليها من إشارات الرقصة. ففي هذه التجارب ثبّت گولد في العش مصدرا ضوئيا ساطعا كان يبدو للنحل وكأنه الشمس فنتج من ذلك أن أخطأت أفراد النحل في معظم الأحيان في تفسير إشارات الرقصة، ولكنها ـ مع ذلك ـ اعتمدت على فهمها الخاطئ هذا في بحثها عن مصدر الطعام متجاهلة كل الدالاّت الأخرى ومنها الرائحة. وقد استنتج گولد من هذا أن أفراد النحل تستجيب للرسالة المعطاة بالرقص بشكل أفضل من استجابتها لغير ذلك من الإشارات. ثم جاءت أخيرا التجارب التي استُخدمتْ فيها الإنسالة لتؤكد صحة فرضية ڤون فريش. فالرقصات إذًا تمثل وسيلة راقية معقدة للتواصل.

لقد ساعدتنا الإنسالة في الإجابة عن أسئلة أخرى أثارتها مشاهدات ڤون فريش، ومنها هذا السؤال: أي مفردات الرقصة تعبر بالتحديد عن أي التعليمات؟ فعلى سبيل المثال، عندما رقصت الإنسالة بحيث تظهر حركاتها الاهتزازية خارج إطار الرقم (8) فإن أفراد النحل التي تبعت الاتجاه الذي أعلنه هذا المسار الشاذ للحركات الاهتزازية كانت أكثر عددا من تلك التي تبعت المسار الذي يحدده اتجاه ميل الرقم (8) ككل. وعلى ذلك فإن هذه الجزئية من الرقصة ـ أي مسار الحركة الاهتزازية وحده، وهو الذي تصدر أثناءه الأصوات ـ هي التي تنبئ أفراد النحل بالاتجاه الذي يمكن ـ لو سلكته ـ أن يوصلها إلى مصدر الطعام.


ربما كان لطبائع اتخاذ العش أثرها في نشوء لغة الرقص كما تؤديها الأنواع المختلفة من نحل العسل. فالنحلة من نوع أپيس فلوريا (في أسفل اليسار) ـ وهي التي تعتبر أكثر الأنواع بدائية من حيث السلوك ـ لا تصدر عنها أصوات أثناء الرقص، وهي تعشش في الخلاء ولا ترقص إلا في النهار. والنحلة من نوع دورساتا (في الأعلى) تعشش أيضا في الخلاء ولكنها ترقص ليلا في بعض الأحيان، ورقصها مصحوب بالصوت كما هي الحال في النحلة من نوع سيرانا (في أعلى اليسار). وكذلك الحال في النحلة الغربية المألوفة التي ترقص عادة في أعشاش مظلمة.

وعلى الرغم من أن التجارب التي استُخدمت فيها الإنسالة وأفراد النحل المصغَّرة الأجنحة، قد أكدت أن الأصوات الصادرة أثناء الرقص هي جزء مهم في لغة الرقص، فإن الصورة ما زال ينقصها جانب مهم هو: ماهية التراكيب التي تسمع النحلة عن طريقها الأصوات المحمولة عبر الهواء. ومن المحاولات القليلة السابقة ـ التي استهدفت استجلاء هذا الغموض، بدا أن النحلة حشرة لا تسمع على الإطلاق. أما وقد عرفنا الآن أن الأصوات الصادرة أثناء الرقص تنتقل كلية عبر الهواء فإننا شعرنا بقوة الدافع لإعادة بحث هذا الأمر. وفي محاولاتنا الجديدة قمنا باختبار أفراد النحل مستخدمين أصواتا شديدة الشبه بتلك التي تصدرها النحل أثناء رقصها.

وفي أول سلسلة من تجاربنا عمدنا إلى تدريب النحل على الربط بين صوت يستمر مدة خمس ثوان وبين صدمة كهربائية خفيفة جدا تصل بعد أربع ثوان من بدء الصوت الذي كنا نطلقه من النهاية المفتوحة لأنبوب زجاجي ضيق. وكان شأن هذه الصدمة لو وصلت غير مقرونة بالصوت إلى نحلة تتناول طعامها، أن تصرفها عن وعاء الطعام لبضع ثوان، غير أن النحلة لا تلبث أن تعود لتستأنف تناول طعامها. ومن هنا خطر ببالنا السؤال التالي: ترى لو تكرر اختبار النحلة بحافز غير مرغوب فيه ـ كالصدمة الكهربائية ـ بعد سماع صوت معين فهل سيأتي عليها وقت تتعلم فيه أن عليها الانصراف عن الطعام خلال الثواني الأربع الأولى التالية لسماع الصوت وقبل وصول الصدمة؟ لو كان الجواب بالإيجاب فالنحلة إذًا تستطيع أن تسمع وبالتالي أن تتعلم. وقد وجدنا أن النحلة حشرة قابلة للتدريب حقا على الاستجابة للأصوات التي يحملها الهواء، ولو أنها كانت تتعلم ذلك ببطء شديد.

وفي وقت لاحق أجرينا تجارب استخدمنا فيها طريقة لتدريب النحل بأن ندخل النحلة في متاهة بسيطة للغاية على هيئة الحرف Y. وكنا نعزف صوتا عند نهاية إحدى شعبتي المتاهة، وكنا نحوّل مصدر الصوت ـ على غير نظام ـ من شعبة إلى أخرى بحيث لا يكون هذا التغيير متوقعا. وفي كل مرة تتجه فيها النحلة ناحية مصدر الصوت كنا نكافئها بماء السكر، أما إذا دلفت إلى الشعبة الأخرى فإنها لا تجد شيئا. فلاحظنا أن النحلة قد تعلمت بسرعة أن تتجه الوجهة الصحيحة نحو مصدر الصوت. وقد استخدمتْ هذه الطريقة(طالبة دراسات عليا في فويرتزبورغ) بغية اكتشاف مجال تردد الصوت الذي يمكن للنحلة أن تحس به، فاكتشفت أنها لا تحس إلا بالترددات المنخفضة (تحت 500 هرتز)، ويتم ذلك بحساسية كافية لالتقاط الأصوات الصادرة عن رفيقة العش الراقصة (وترددها يتراوح ما بين 250 و300 هرتز).

كما أظهرت أفراد النحل بعض القدرة على التمييز بين النغمات ذات المستويات المختلفة للتردد في حدود هذا النطاق ومنها ما هو منخفض التردد (20 هرتزًا) ومنها ما هو ذو تردد متوسط (100 هرتز) ومنها ما هو عالي التردد (320 هرتزًا) ولكننا ما زلنا نجهل الهدف الذي يمكن أن تحققه النحلة من وراء استخدامها لهذه القدرة على التمييز".

لقد مكنتنا طريقة التدريب هذه نفسها من اكتشاف التراكيب التي تحس بها النحلة بالأصوات، إذ قمنا بعمل تغييرات في بعض أفراد النحل التي تم تدريبها: إما بإزالة أحد قرني استشعارها، أو بتثبيت شُدْفَة معينة من القرن، أو بإزالة بعض الشعيرات الحسية من رأس الحشرة، فتوصلنا إلى أن النحلة تلتقط الأصوات التي يحملها الهواء بوساطة تركيب دقيق يسمى عضو جونستون Johnston’s organ، موجود على الشدفة الثانية من كلا قرني الاستشعار، ويتكون من بعض الخلايا الحسية، وهو عضو له نظير في بعض أنواع الذباب والبعوض حيث يقوم بالوظيفة نفسها.

وإذا قمنا الآن بتجميع أجزاء الصورة أمكننا أن نرى كيف تؤدي لغة الرقص عملها: ترسل النحلة الراقصة إشارات صوتية تساعد أفراد النحل التي تتابعها على تحديد مكانها وطريقة حركاتها، فتعطي الأفراد بيانات دقيقة عن موضع الطعام من العش وبعده عنه. وتلتقط أفراد النحل المتابِعة للرقصة هذه الإشارات الصوتية بوساطة عضو جونستون الموجود على قرون استشعارها التي تظل دائما مصوبة عن كثب إلى النحلة الراقصة. وحيث إن هذه الأعضاء ذات تماثل جانبي ـ واحد على اليمين وآخر على اليسار ـ فإنه يمكن لكل نحلة أن تحدد موضعها بالنسبة للنحلة الراقصة، ومن ثم تدرك الاتجاه الصحيح إلى مصدر الطعام.

وهنا ترسل أفراد النحل المتابعة للرقصة ردها في صورة دقات تُحدِث في ألواح الشمع اهتزازات تلتقطها النحلة الكشافة فتكف عن الرقص، وتعطي الكشافة كل واحدة من المتابِعات عينة من الطعام الذي قامت بجمعه، فيتوفر للأفراد المزيد من التفاصيل عن الطعام من حيث جودته وطعمه ورائحته. وما هي إلا برهة بعد تمام مشاهدة الرقصة حتى تطير أفراد النحل من العش في طريقها إلى مصدر الطعام دون دليل. فمَن حالفها الحظ عثرت على ضالتها المنشودة ومن أخفقت في مسعاها عادت إلى العش لتكرر المحاولة.

من الواضح أن لغة الرقص هذه تمثل نظاما للاستنفار راقيا وشديد التعقيد. ولكي نفهم كيف نشأ مثل هذا النظام قمنا ـ كما قام علماء آخرون ـ بدراسة الطريقة التي تتم بها عملية الاستنفار في أنواع أخرى من النحل تربطها بنحلة العسل وبعضها ببعض علاقة من نوع ما. ومن المعروف أن الجنس أپيس Apis الذي تنتمي إليه كل أنواع نحل العسل لا تربطه صلة قربى وثيقة بأي من الأجناس الباقية على قيد الحياة، فأقرب أبناء العمومة إلى نحل العسل هو أنواع النحل الطنان bumble bees والنحل العديم اللواسع stingless bees، ولكن أفراد النحل الطنان ـ لسوء الحظ ـ لا تمارس عملية الاستنفار بالرقص على الإطلاق. أما النحل عديم اللواسع فمنه عدة أنواع تُعرف بينها هذه الظاهرة، ولكن حسبما نعلم، لم يطور أحد لغة رمزية تشبه لغة الرقص التي تمتلك ناصيتها أنواع جنس أپيس. إن كل أنواع نحل العسل الأربعة التي قمنا بدراستها (ومنها ثلاثة تعيش في آسيا) تتخاطب بلغة الرقص مع اختلاف طفيف في "اللهجة" بين نوع وآخر. فكل الأنواع تستخدم كودات متماثلة للدلالة على الاتجاه وعلى المسافة، ولو أن بين بعضها البعض فروقا؛ هذا ما كشفه (M. لنداور) في الخمسينات عندما كان في جامعة ميونيخ.

لقد قمنا بتحري وجود أصوات للرقص في الأنواع الأربعة من نحل العسل فوجدنا ثلاثا منها تشترك في الرقص في الظلام من حين لآخر، فضلا عن إصدار الصوت أثناء الرقص. ومن هذه الأنواع الثلاثة النحلة الغربية المعتادة familiar western bee (أپيس ميليفيرا A. mellifera) والنحلة الآسيوية Asian bee (أپيس سيرانا A. cerana). وأفراد هذين النوعين تعشش في الأماكن الغائرة المحجوبة عن الضوء مثل تجاويف الأشجار وما شابهها. أما النوع الثالث، وهو النحلة العملاقة giant bee (أپيس دورساتا A. dorsata)، فإن أفراده تعشش في الخلاء على ألواح متفرقة معلقة تحت النتوءات الصخرية أو في غلاظ فروع الشجر. وقد تمكن تاوني (من جامعة ولاية متشيغان) من أن يثبت ـ غير مسبوق ـ أن النحلة من هذا النوع الأخير ترقص أحيانا في الليلة، في حين لم يتمكن كيرشنر من اكتشاف أنها تصدر أصواتا أثناء رقصها إلا في وقت متأخر، وكان كشف إشاراتها الصوتية أمرا بالغ الصعوبة نظرا لخفوت صوتها على نحو خاص.

والنوع الوحيد الذي يرقص بصمت، وهو النحلة القزم dwarf bee (أپيس فلوريا A. florea)، إنما ترقص أفراده في الخلاء كما هي الحال في نحل دروساتا، وإن كانت أفراد النوع الأول لا تمارس الرقص إلا نهارا، وهي تؤدي أثناء رقصها حركات تعبيرية تقوم بدور الإشارات البصرية التي تلفت أنظار متابعيها نهارا بالطريقة نفسها التي تؤدي بها الأصوات وظيفتها في الأنواع التي ترقص ليلا. وتدل القرائن على أن نحل فلوريا هو أكثر الأنواع بدائية من حيث الطبائع، ومن ثم فإننا نفترض أن جهاز التواصل السمعي المعروف بين الأنواع الثلاثة الأخرى قد تطور ـ على أرجح الاحتمالات ـ من أصل يعتمد على الإشارات البصرية، وأن هذا التطور قد بدأ عندما تحول مأوى هذه الأنواع إلى أماكن محجوبة عزلتْها تماما عن الضوء.

والآن، وقد أمكننا أخيرا أن نستمع إلى لغة النحل ونفهمها، بل وأن نتكلم بها إلى درجة ما، فإننا نواجه الجديد من التساؤلات. فعلى سبيل المثال ، ما زال أمامنا أن نعرف الغرض الذي يمكن أن تحققه قدرة النحل على التمييز بين الأصوات المختلفة التردد. يضاف إلى ذلك أن هناك احتمالا بأن أفراد النحل تستخدم ما تشابه من الأصوات التي يحملها الهواء بطرق لا تخطر حتى على بالنا في الوقت الحاضر.

وعلى أمل النجاح الكامل في جلاء الغموض الذي يكتنف طبيعة جهاز التواصل بين أفراد النحل فسنستمر في التنصت على محاوراتها واستراق السمع إليها.


المؤلفان
Wolfgang H. kirchner-William F. Towne

بدأ العمل المشترك بين كيرشنر وتاوني عام 1987، حيث توصلا معا إلى كشف حاسة السمع عند نحلة العسل. وقد عكف كيرشنر طوال السنوات العشر الماضية على دراسة آليات وتطور عملية التواصل بالرقص بين أفراد نحل العسل. وفي عام 1987 حصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة فويرتزبورغ بألمانيا حيث يشغل حاليا إحدى وظائف هيئة التدريس. أما تاوني فهو يدرس هذه الظاهرة نفسها منذ عام 1980، وقد حصل على دكتوراه في العلوم البيولوجية من جامعة پرنستن عام 1985؛ وهو حاليا أستاذ مشارك في جامعة كتزتون بولاية بنسلڤانيا الأمريكية.

مراجع للاستزادة 
1- THE DANCE ******** AND ORIENTATION OF BEES. K. von Frisch. Harvard University Press, 1967.
2- COMMUNICATION AMONG SOCIAL BEES. Martin Lindauer. Harvard University Press, 1971.
3- THE HONEY BEE. James L. Gould and Carol G. Gouid. Scientific American Library, 1988.
4- ACOUSTICAL COMMUNICATION IN HONEYBEES. W. H. Kirchner in Apidologie, Vol. 24, No. 3, pages 297-307; July 1993.
5- Scientific American, June 1994
--------------------------------------------------------
(1) إنسالة: نحت من إنسان ـ آلى robot ونقول إنسالية robotics. (التحرير)
(2) (پلايني) عالم روماني كتب في التاريخ الطبيعي، وكان من أوائل من صنف الموسوعات: 23 ـ 79 ق. م. (التحرير)
المصدر: مجلة العلوم الكويتية.
http://www.oloommagazine.com/Article...ils.aspx?ID=57

تاريخ النشر         5 - 1 - 2018        
مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف * www.na7la.com * منذ عام 2007