-
إصدار موسوعة عن أزهار لبنان البرية العاسلة.. لعبدالناصر المصري
بيروت – أنور عقل ضو: "دليل أزهار لبنان البرية العاسلة" عنوان دراسة للباحث عبد الناصر المصري عضو اللجنة الفنية العليا لتربية النحل في لبنان، صدرت في كتاب يمكن اعتباره مرجعاً علمياً لمربي النحل في لبنان ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ولطالبي العلم والمعرفة والمهتمين بالنظم الايكولوجية في العالم والنحل وبيئته بعض مكوناتها الرئيسية.
مائة وستون زهرة برية عاسلة جاء توثيقها ليكرس مفاهيم جديدة في عالم تربية النحل، من خلال دراسة نموذجية عن أزهار مناطق المناخ المتوسطي والفوائد الطبية لعسل بعض أنواع الأزهار، خصوصاً أن المصري لم يستند إلى اختصاصه الجامعي في الجغرافيا الطبيعية فحسب، وإنما إلى تجربة ميدانية زادت على الثلاثين عاماً في تربية النحل وإنتاج العسل، وهو عضو الجمعية المتحدة لتعاونيات مربي النحل في لبنان، وليس من قبيل الصدفة أن يقدّم للكتاب رئيس المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان البروفيسور جورج طعمة الذي كان في الوقت عينه موجهاً للمصري في رحلة البحث الشاقة في أحراج لبنان وغاباته ومناطقه النائية، فضلاً عن أن الدراسة هي ثمرة جهد ثماني سنوات متواصلة استندت إلى الخبرة الميدانية والعلم وتكاملت بهما لتغني مكتبتنا العربية في ميدان البحث العلمي.
في هذا المجال، التقت «الراية» المصري وكان لها معه الحوار الآتي:
* بدايةً، ما هو الدافع الذي كان وراء رحلة البحث والاستكشاف؟
- ولدت في بيئية ريفية ومثالية لتربية النحل، وحب المعرفة حفّزني دائماً على الاستكشاف في ميدان تربية النحل الذي أتقنته منذ كان عمري ست عشرة سنة، خصوصاً في ظل الظروف البيئية التي نعيش فيها، لذلك، ركزت اهتمامي على معرفة مصادر العسل اللبناني ضمن نطاق البيئة التي أعمل فيها، ومن ثم على نطاق لبنان بشكل عام، بمعنى البحث عن مصادر العسل اللبناني الرحيقية.
* لاحظنا في كتابك الجديد أنه صدر كجزء أول، هل ثمة متابعة في مجال البحث ضمن هذا المجال بالذات؟
- صحيح، وقد بدأت مرحلة التحضير والهدف منه استكمال الجزء الأول، لجهة مواصلة توثيق الأزهار العاسلة في لبنان، فضلاً عن كم جديد من المعلومات حول تربية النحل التي تتلاءم مع بيئتنا اللبنانية والمتوسطية.
* خلال مرحلة البحث الميداني هل وجدت أن ثمة أنواعاً من الأزهار الرحيقية لم تعد موجودة أو أن ثمة أنواعاً مهدّدة بالانقراض؟
- لا أدعي حق الاجابة عن هذا السؤال، الأمر يحتاج إلى عمل أوسع وأشمل مع علماء نبات، لكن بالتأكيد ثمة متغيرات كثيرة طاولت أنواعاً كثيرة من الأزهار العاسلة على مستوى انتشارها وبيئتها.
* لاحظنا أن ما يميّز كتابكم أنه وثق الأزهار والنباتات الرحيقية بأسمائها العلمية أيضاً؟
- نعم، في البداية كان هدفي مع اكتشاف الأزهار تحديد أسمائها الأكثر تداولاً على صعيد لبنان، لكني فوجئت أن كل زهرة معروفة تحت مسميات كثيرة تختلف بين منطقة وأخرى بالرغم من مساحة لبنان الصغيرة، وهذا عامل سلبي في لغة التخاطب والتفاهم بين مربي النحل فيما بينهم وبين مربي النحل والناس، هنا كان لا بد من توحيد التسمية، وحسمت خياراتي بانتقاء اسم واحد من أهم مرجع حالياً، هو موسوعة البروفيسور جورج طعمة حول أزهار ونباتات لبنان البرية، واعتمدته نهائياً ليكون مرجعاً أخيراً لاسم هذه الزهرة أو تلك، من هنا جاءت الصورة الملونة والواضحة لتكون عاملاً حاسماً في هذا المجال.
* ثمة دراسات موثقة عن نباتات لبنان ومنطقة البحر الأبيض المتوسط صدر بعضها في السنوات الماضية، بماذا تتميّز تجربتك البحثية؟
- التجارب تكمل بعضها بعضاً، أنا تناولت جانباً له علاقة بإنتاج العسل، وهو أيضاً جزء من الطبيعة وجزء من البيئة، وقد سلطت الضوء على غنى البيئة اللبنانية بالأزهار، وعلى أهمية بعض الأزهار، البروفيسور جورج طعمة عمل على توثيق كل الأزهار اللبنانية ونشرتم في «[» موضوعاً عن أهمية هذا البحث، أنا ركزت اهتمامي فقط على الأزهار والنباتات التي يكوّن رحيقها العسل اللبناني بشكل خاص والعسل المتوسطي بشكل عام.
* هل كان ثمة توجيه للبروفيسور جورج طعمة في هذه الدراسة خصوصا أن قدّم للكتاب عارضاً لأهميته العلمية؟
- البروفيسور طعمة كان دوره حاسماً في عملية تصنيف هذه الأزهار، أنا لا أدعي أني عالم نبات، ولكن دراستي أكدت أن هذه هي الزهرة التي يحصل منها النحل على العسل، والبروفيسور طعمة أكد اسمها وتصنيفها العلمي.
* هناك في لبنان الكثير من الأزهار العاسلة والنادرة تحدّث عنها مستكشف بريطاني في القرن الثامن عشر، هل تأكدت منها وما إذا كان بعضها قد اندثر مع التوسّع العمراني؟
- تمكنت من مراقبة خمسين منطقة وبقعة جغرافية في لبنان، لكن لم تشتمل الدراسة على أصناف بعينها من الأزهار، يمكن في مرحلة لاحقة دراسة كل زهرة على حدة، وأي منها تسجّل تراجعاً بحيث نعمد إلى إكثارها ومنع انقراضها، ومثل هذه الدراسة تحتاج إلى تعاون بين جهات مختلفة، كما تتطلّب جهداً ميدانياً ومخبرياً وتضافر جهود كثيرة دون إغفال دور مربي النحل لأنهم على تماس مباشر مع البيئة التي تحتضن خلايا النحل التي يربونها ويعتنون بها.
* هل يمكن القول إن لبنان يمتاز بتنوّع عسله نظراً لتنوع الأزهار العاسلة فيه؟
- إن الدول التي يشبه مناخها مناخ لبنان تتمتع أيضاً بالغطاء النباتي نفسه، لكن الأهم في هذا المجال هو موضوع على صلة بوجود مناطق عدة في لبنان تتمتع كل واحدة بمناخ مستقل تبعاً لارتفاعها عن مستوى سطح البحر، ولذلك يمكننا الحصول على عدة مواسم من العسل، وهذا يمثل أحد أهداف هذه الدراسة أو هذا الكتاب، لجهة تسليط الضوء على الفترة التي يتم فيها تخزين العسل في كل منطقة من هذه المناطق، من خلال نقل قفران (خلايا) النحل في الوقت المناسب أو حتى اللحظة المناسبة، لأن فترة تخزين العسل تتراوح بين شهر وشهرين خلال السنة الواحدة، وإذا أحسنّا نقل النحل من منطقة إلى منطقة في الوقت المناسب يمكن أن نحصل على مواسم إضافية وكميات أكبر من الإنتاج، والأهم على أنواع جديدة من العسل تبعاً لأنواع الزهرة، وهنا يعتبر عنصر الارتفاع عن سطح البحر عنصراً حاسماً لجهة تنوع العسل اللبناني.
* كم استغرقت الدراسة؟
- بدأت عملياً بشكل مباشر وهادف سنة 2002، لكنني استندت في هذا البحث العلمي إلى خبرة لا تقل عن ثلاثين عاماً في مجال تربية النحل والتعاطي مع الطبيعة، فضلاً عن أن تخصّصي في مجال الجغرافيا الطبيعية سهل مهمتي أيضاً، لكن خلال السنوات الثلاث الماضية تركز اهتمامي على المناطق اللبنانية كافة، بما أتاح إمكانية صدور الكتاب في جزئه الأول.
* هل يمكن اعتبار هذا البحث دليلاً لمربي النحل ومرجعاً علمياً لطالبي المعرفة والعلم؟
- صحيح، ولهذا السبب أطلقت عليه اسم "دليل أزهار لبنان البرية العاسلة"، ويمكن اعتباره مرجعاً علمياً للنحالين وكل المهتمين بموضوع البيئة والتنوّع البيولوجي وأهمية النباتات، إضافة إلى أننا يمكننا اعتباره مرجعاً عالمياً على مستوى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ولذلك تعمّدنا أن يصدر باللغتين العربية والانجليزية، كما أن الأزهار معرّف عنها بأربع لغات: اللغة العلمية اللاتينية، العربية، الفرنسية والإنجليزية، بما يسهّل الوصول إلى المعلومة المنشودة من قبل أي قارئ ومهتم في العالم.
* في حال اعتمد مربو النحل هذا التنوّع الموجود على مستوى الأزهار العاسلة وفترات تفتحها كم يمكن أن ينتج قفير النحل من العسل في السنة الواحدة؟
- يمكن أن يحصلوا على ثلاثة مواسم على الأقل في السنة الواحدة، وأحياناً يمكنهم أن يحصلوا على نصف موسم، تبعاً لمهارته وفن نقل القفران في الأوقات المناسبة، واعتماد ما أسميته في هذه الدراسة "الفترة العاسلة الرئيسية في كل منطقة"، وهذا يتطلّب منهم التعرّف على الفترة العاسلة في كل منطقة التي تتغيّر بين عام وآخر بهامش زمني معيّن تبعاً للمناخ والطقس، إضافة إلى ذلك يصبح في مقدورهم إنتاج أنواع محددة من العسل حسب المصادر الرحيقية، ومع الاستفادة من أزهار بساتين الليمون في جنوب لبنان يمكن أن ينتج قفير النحل الواحد ما بين 40 و 50 كيلوغراماً، لكن ثمة مسألة مهمة لا يمكن إغفالها حتى وإن اعتمد مربو النحل هذه الطريقة، فالعام الماضي كان الموسم سيئاً بسبب ظروف الطقس ورش المبيدات الزراعية والحرائق وعوامل عديدة اخرى.
* استناداً إلى هذه الدراسة أين نصنف العسل اللبناني؟
- أخذت أربعة أنواع من العسل وأظهرت قيمتها الطبية، ومنها عسل الخلنج وعسل الليمون بالرغم من الليمون ليس نبتة بريّة، وذلك بالاستناد إلى بعض المصادر العلمية، أنا لست طبيباً ولا أسمح لنفسي الدخول في هذا المجال، لكن الهدف الرئيسي أنه باعتماد هكذا دراسات، أصبح في مقدور مربي النحل إنتاج أنواع محدّدة من العسل مصدرها أنواع معينة من الأزهار، وبالتالي تكون لها قيمة غذائية وعلاجية مهمة، وهذه مسألة تبقى برسم المختصين من أطباء وباحثين لإظهار المواد المكوّنة للعسل، لكن بالنتيجة كل أنواع العسل مهمة شرط عدم الغش، إذاً، أصبح في مقدورنا إنتاج عشرات الأنواع من العسل تبعاّ لمصادر الأزهار وخبرة مربي النحل لجهة معرفة المراحل الأولى لتفتح زهرة معيّنة موجودة بكثافة معيّنة في منطقة معيّنة.
* ومتى سيصدر الجزء الثاني؟
- حسب الخطة الموضوعة من المفترض صدور الجزء الثاني بعد أربع سنوات، مع تنقيح الجزء الأول وإصداره بطبعة مزيدة ومنقحة، وستشمل الدراسة مراقبة حوالي ثلاثين منطقة من لبنان جديدة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال والمناطق الجبلية الساحلية والداخلية.
"الراية"
|