أساسيات وراثة نحل العسلمأخوذة من ورشة عمل
في جامعة كورنيل - الولايات المتحدة ترجمة وإعداد الدكتور طـارق مـردود
المثير في الوراثة أننا نجد أن كل الحياة على الأرض تدار (قليلاً أو كثيراً) بنفس القوانين. عندما نفهم بعض المبادئ الأساسية, نستطيع أن نفهم كيف يحدث الاختلاف الكبير بين الكائنات, من البكتريا إلى الفيل. والآن, بعد أن بدأ الكشف عن جينات (مورثات) مختلف النباتات والحيوانات, ندرك تماماً كم نحن قريبين من بعضنا.
قد تكونوا سمعتم أن الإنسان يشترك مع الشمبانزي بـ99% من المورثات. ولكن هل تعرفوا أننا نتشارك مع الموز بـ25% من المورثات. رغم هذا يظل كل نوع متماثل بالمظهر, ونحل العسل له حصـّته من الخصوصية الوراثية المميزة. خصوصيته التي تجعل منه ما هو عليه.
| |
|
من المحتمل أن العامل الوحيد الذي يجعل نحل العسل ما هو عليه الآن هو أن الذكور تولد من بيوض غير مخصبة. بعكس ذلك, لا يبدو أن هذا ذو أهمية كبيرة، لكننا سنرى أن الحقيقة هي كذلك.
الكروموزومات (الصبغيات):
الكروموزومات (الصبغيات) هي التراكيب التي تحتوي الجينات (المورثات) في الكائن. لدى النحل حوالي 15 ألف جين. معظم الحيوانات عندها عادة مجموعتين من المورثات: مجموعة تأتي من الأب ومجموعة ثانية تأتي من الأم. لهذا تدعى مزدوجة الصبغيات diploid .
الإنسان يملك 46 صبغي: 23 منها أتت من نطفة الأب, و23 أخرى أتت من بيضة الأم.
للنحل عدد مختلف من الصبغيات. الجنس المؤنث (الملكة والشغالة) تمتلك 32 صبغياً: 16 منها كانت موجودة في بيض الملكة, و16 جاءت مع نطفة الذكر (اليعسوب). بما أن الذكر يفقس من بيضة غير مخصبة فله 16 صبغياً فقط وهي التي كانت في البويضة. فذكور النحل أحادية الصبغيات haploid لأنها تملك مجموعة واحدة من الصبغيات.
نلاحظ أن البيضة تستطيع أن تحوي فقط نصف صبغيات الملكة, لذلك تستطيع أن تمرر فقط نصف مورثاتها لنسلها
. كل بيضة تحتوي مجموعة متميزة من جينات الملكة, لذلك تكون كل بيضة مختلفة عن الأخرى. من جهة أخرى, للذكر 16 صبغياً يقدمها, لذلك كل نطفة تحتوي على كل مورثات الذكر. هذا يعني أن كل نطاف الذكر متماثلة تماماً, أي أنها نسخ, وهذا مختلف عن أكثر الحيوانات حيث تكون كل نطفة متميزة عن الأخرى كما أن كل بيضة متميزة عن الأخرى.
الشيء الآخر المميز في النحل هو عادته في التلقيح المتعدد. الملكة مزواجة وتتلقح من 10 – 20 ذكراً, عادةً في طيران واحد أو اثنين خلال يوم أو اثنين. تخزّن النطاف لسنين في الحوصلة النووية spermatheca . في الواقع نطاف ذكر واحد كافية لملء الحوصلة.
يبدو أن الملكة تخاطر كثيراً وتستمر لتتلقح من ذكور كثيرة لكي تؤمن تنوعاً وراثياً ممتازاً للطائفة.
يـُظن أن هذا التنوع الوراثي يؤمن صفات وراثية مقاومة للأمراض. كذلك,
بما أن النحل يميل إلى التخصص في العمل داخل الخلية, فإن وجود تنوع كبير في الآباء يجعل الطائفة أكثر كفاءة.
نتيجة هذا التلقيح المتعدد أن الطائفة تكون مكونة من تحت عائلات مختلفة.
كل تحت عائلة لها نفس الأم ولكن الآباء مختلفين. وبما أن كل النطاف من كل ذكر هي عبارة عن نسخ متماثلة, فإن هذا يعني أن الشغالات ترث 50% من جينات الملكة, و 100% من جينات الذكر. أي أن الشغالات من نفس تحت العائلة متماثلة في 75% من المورثات، لذلك تسمى أخوات متميزات supersisters
في كل الحيوانات الأخرى تقريباً يكون النسل offspring متماثلاً بـ 50% فقط من المورثات فيما عدا التوائم الشقائق. قد يكون هذا هو التفسير لماذا عند النحل والحشرات الاجتماعية الأخرى,
تمتنع الشغالات عن الخلفة لكي تتيح للملكة إنتاج أخوات لهن أكثر. إذا ما أنسلت الشغالة خلفة لها فإن هذه الخلفة ستكون متماثلة بنسبة 50% فقط. ولكن بمساعدة الملكة على إنسال أخوات متميزات لهن سيكونون متماثلين بـ 75%.
هناك مبدأ في الحياة يقول أن الفرد يجنح إلى عمل كل إمكانية لتوريث جيناته للنسل التالي. وهكذا فإن الحقيقة البسيطة أن الذكور تأتي من بيض غير ملقح, ولذلك فإن نطافها كلها متماثلة تشرح بدرجة كبيرة السلوك الاجتماعي للنحل.
يمكن أن نرى أن التلقيح المتعدد يؤدي إلى طائفة معقدة جداً. في هذا المجال تشير الألوان المختلفة إلى جينات مختلفة. ليس المطلوب إحصاءها كلها وإنما أن نعطي فكرة عن التعقيد الموجود. في الشكل التالي سنبسط الأشياء ببيان أن الملكة تلقحت من ذكر واحد. هذا نادراً ما يحدث في الطبيعة ولكن يمكن تحقيقه بالتلقيح الاصطناعي.
تحديد الجنس
سنتحدث الآن عن الألليلات الجنسية sex alleles. الألليل هي كلمة تعني نسخة من جين (مورّث). كمثال: الجينات المسؤولة عن العيون الزرقاء والعيون البنية هي ألليلات لجين لون العيون.
هذا يؤدي إلى أن هناك جين يتحكم بجنس النحل يدعى ألليل الجنس. وهناك قاعدة بسيطة لعمله: إذا كان هناك الليلين اثنين مختلفين ستتطور النحلة إلى أنثى:
إما شغالة أو ملكة, وإذا كان هناك ألليل واحد ستتطور النحلة إلى ذكر. هناك طريقتين لإمكانية تواجد ألليل واحد. إذا كانت البيضة غير ملقحة فهي تحتوي ألليل واحد وستتطور إلى ذكر طبيعي. ولكن هناك طريقة أخرى لتواجد ألليل واحد, هذا إذا كانت البيضة ملقحة ولكن كلا الأم والأب يتصادف أن يتماثلا في الألليل الجنسي.
ستتطور هذه البيضة الملقحة إلى ذكر ولكن هذا الذكر غير طبيعي لأنه ثنائي الكروموزومات ولن يستطيع أن يتصرف كذكر. مثل هذه الذكور ستدمرها الشغالات التي ستأكلها ما أن تفقس من البيضة. هذا سيظهر على شكل ثقوب في الحضنة (تسمى عندها الحضنة بالحضنة المثقـّبة). أسوأ النتائج تشاهد في التربية الداخلية. تزاوج الأخوة يعطي 50% فقط حضنة قابلة للحياة.
يـُعتقد أن هناك 19 ألليل جنسي مختلف. قد يكون هناك أكثر, ولكن هذا ما جرى إحصاءه في الدراسات. هذا مثال واضح يبين لماذا من المهم المحافظة على وجود اختلاف جيني.
كلما كان هناك ألليلات جنسية أكثر في النحل كلما كانت الحضنة أكثر تماسكاً (حضنة مصمتة) وكان هناك نحل كثير في الخلية ليجمع العسل. هذا يشبه لعبة النرد. كلما حصلت على أرقام مزدوجة كلما ربحت. لو كان لديك حجر نرد ذو 20 وجهاً بدل 6 أوجه لازدادت إمكانية حصولك على هذه الأرقام. لذلك من المفيد أن نجلب دماً جديداً للنحل كل حين.
السلوك الصحي
يعتبر السلوك الصحي الأكثر نجاحاً في الممارسة في تحسين النحل, فقد درس جيداً وثبت أنه كفؤ لمكافحة تكلس الحضنة وتعفن الحضنة الأمريكي والفاروا.
يتحكم بالسلوك الصحي جينين متنحيين.
أحدهما يجعل الشغالة تتعرف ولا تغطي النخروب المحتوي على يرقة مريضة. الجين الآخر يجعل الشغالة تزيل اليرقة المريضة وترميها خارجاً. من المحتمل لطائفة أن تحتوي على جين واحد من الجينين ولا تملك الجين الآخر, عندها لن يكون للطائفة سلوك صحي. من الممكن أيضاً لنحلات مفردة مختلفة أن تملك جيناً ولا تملك الجين الآخر.
لكي تظهر الصفة المتنحية يلزم أن تكون الشغالة متماثلة الزيجوت homozygous بالنسبة للجين. تماثل الزيجوت تعني أنها حصلت على نفس الألليل من الأب ومن الأم. اختلاف الزيجوت Heterozygous يعني أن النحل يملك واحداً من الألليلات فقط (لذلك فهو حامل) لذا لا تظهر الصفة.
في المثال التالي بدأنا بملكة متماثلة الزيجوت لصفة السلوك الصحي وتلقحت من ذكور لا تملك صفة السلوك الصحي.
لن يـُظهر النسل الناتج صفة السلوك الصحي ولكنه سيكون مختلف الزيجوت وحامل للصفة.
من المهم أن نتذكر أنه عندما نتعامل مع الصفة المتنحية أنها لن تظهر في الجيل الأول.
ولكن إذا كنت صبوراً وتابعت برنامجك فإنك ستنجح في الحصول على الصفة في الأجيال التالية.
بعد عدة أجيال من الإنتخاب والتربية في الطوائف التي أظهرت هذه الصفة, أمكن تثبيتها في مجموعة النحل وأصبح كل نحل هذه المجموعة يـُظهر هذه الصفة. وقد توصلنا لهذه النتيجة بمساعدة التلقيح الاصطناعي وفي مجموعة مغلقة.
المقاومة للحلم القصبي
وجد أخيراً أن المقاومة للحلم القصبي تتمثل في سلوك التنظيف grooming. تستعمل النحلة ساقيها الوسطيين لدفع الحلم بعيداً عن فتحة قصبتها التنفسية. كما وجد أن هذه الصفة تحكمها جينات سائدة لم تتم معرفة عددها. في المثال التالي سنفترض وجود جين واحد يتحكم بالصفة وأن الملكة ستتلقح من ذكر واحد يملك هذه الصفة:
الصفات السائدة أسهل في إدخالها في مجموعة نحل لأنها تظهر في الجيل الأول.
ستظهر الصفة السائدة بالتساوي على النحل الذي يحمل جين الصفة سواء على واحد من الصبغيات أو على الاثنين. نحن بالطبع نفضل أن نربي فقط الملكات المتماثلة الزيجوت لهذه الصفة, ولكن لا توجد طريقة سهلة للتفريق بين المتماثلة الزيجوت والمختلفة الزيجوت. لهذا السبب من الصعب عملياً تثبيت جين سائد في مجموعة نحل من تثبيت جين متنحي.
كبت تكاثر الحلم
آخر صفة جرى العمل عليها هي صفة كبت تكاثر الحلم Suppressed mite reproduction (SMR), التي تبشر بحل مشكلة الفاروا,
ولكنه من المبكر جداً القول كيف وماذا تعمل بالضبط. هناك شيء ينبئ أن النحل يحمل صفة إعاقة حلم الفاروا من التكاثر طبيعياً. بعض الفاروا لا تضع أية بيوض, الأخريات يضعن بيضاً في وقت متأخر فلا تبلغ,
وبعضها لا يضع إلا بيوضاً ذكرية, بينما حلم آخر ينحصر بين شرنقة العذراء وجدار النخروب فتموت قبل أن تتمكن من وضع أي بيض. ما يزال غير معروف هل كل هذه الآثار هي عبارة عن صفة واحدة أم أكثر؟!.
كما أننا لا نعرف كم عدد الجينات التي تشارك في إظهار هذه الصفة. لحسن الحظ أنه ليس ضرورياً أن نعرف كل هذه التفاصيل لكي ننتخب ونستعمل هذه الصفة.
توصل العالمان الدكتور هاربو والدكتور هاريس لانتخاب سلالة تحمل هذه الصفة لدرجة أن قليلاً - إن لم يكن بالمرة - لم تستطع الفاروا أن تتكاثر طبيعياً. بتصالب هذه السلالة مع نحل لا يتصف بكبت تكاثر الحلم (SMR) وجدوا أن التأثيرات كانت وسطى بين النمطين.
هذا يشير إلى أن هذه الصفة محكومة ليس بجينات سائدة ولا بجينات متنحية, ولكن بما يسمى تراكمية additive. هذا يعني ببساطة أنه كلما ازداد عدد الجينات المؤثرة كلما ظهرت الصفة أكثر. بمرور الزمن, كلما كثرت الذكور التي تحمل الصفة كلما أمكننا أن نقدر المستوى المثالي لصفة كبت تكاثر الحلم (SMR).
الدنا الميتوكوندري
يستعمل الدنا الميتوكوندري Mitochondrial DNA لتتبع النسب الأمومي للنحل maternal lineage أو أي شكل آخر من الحياة. الميتوكوندريا هي organelles عضويات موجودة في كل خلية حية,
وتدعى مراكز طاقة الحياة لأنها هي التي تجعل التنفس ممكناً, وهي تطلق الطاقة بحرق السكر بالأوكسيجين. وهي عبارة
عن حبيبات صغيرة مثيرة للاهتمام يعتقد أنها كانت بكتريا مستقلة, وفي زمن بعيد مضى دخلت في الخلايا الحية وبقيت فيها بصفة تعايشية للأبد.
الشيء المهم معرفته عن الميتوكوندريا أنها تتكاثر بشكل منفصل عن بقية أجزاء الخلية. عندما تنقسم الخلية تنقسم الميتوكوندريا أيضاً في نفس الوقت. وهي تحتوي كمية صغيرة من الدنا DNA , ولكن هذا الدنا يبقى منفصلاً عن النواة.
يوجد الميتوكوندريا في البيضة عندما تتكون, ولكن عندما تتحد النطفة مع البيضة عند التلقيح لتشكيل تركيب وراثي جديد, تبقى الميتوكوندريا بدون تغيير.
لذلك تعبر من جيل إلى آخر مع البيض دون أن يتأثر الدنا فيها بالذكور, فهي تمر من خلال الأمهات فقط ولا يتغير الدنا فيها إلا ببطء شديد بالطفرات العارضة.
تتراكم هذه التغييرات مما يسمح للعلماء أن يميزوا بين الدنا الميتوكوندري لسلالة نحل من أخرى. وهذا ما يميز النحل الأفريقي من النحل الأوروبي.
Adapted from a workshop presented by Tom Glenn at the EAS meeting,Cornell University August 2002
اقرأ المزيد
اطـّـلع على الملكات المنتخبة
د. طــارق مــردود