الحرب تجبر عسل اليمن على التنحي عن عرشه
دبابير الحرب تفتك بخلايا عسل اليمن السعيد
حنين ياسين
ما زال مذاق عسل السدر ولونه الأحمر المعتم الذي أهدتني إياه صديقتي في علبة فخارية مزركشة بنقوش أنيقة عندما عادت من اليمن قبل 5 سنوات، عالقاً في ذاكرتي، فعراقة وأصالة نكهته جعلته الأفضل في العالم.
ولا يمكن الحديث عن "اليمن السعيد" دون التطرق لعسله الذي يحظى بشهرة واسعة داخل وخارج البلاد جعلته سفيراً لصنعاء في أنحاء العالم، فاليمنيون اهتموا بتربية النحل وإنتاج العسل منذ قرون طويلة، وطالما تحدث مؤرخون عن أن اليمن وصف قبل أكثر من 3 آلاف عام بأنه "أرض الطيوب والعسل".
ولكن ذلك المنتج، الذي حاز لقب "ملك أنواع العسل"، يكاد يتلاشى من العالم، فالحرب المندلعة في موطنه الأصلي اليمن منذ أربعة أعوام، قضت على كل ما هو جميل هناك، ليتقلص إنتاج العسل إلى أقل من النصف.
ولم تنجح جميع مساعي السلام في إنهاء الحرب، التي أسفرت، وفق الأمم المتحدة، عن نحو 10 آلاف قتيل، وتدمير اقتصاد البلاد الأفقر عربياً، إضافة إلى تخريب البنية التحتية وإتلاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، والتسبب بانتشار أمراض وبائية في معظم أنحاء البلاد فتكت بأرواح الآلاف، مثل الكوليرا.
- العسل ضحية جديدة للحرب
العسل الشهير كان أحد ضحايا الحرب وخسائرها القاسية، فبحسب اتحاد النحالين اليمنيين فإن اليمن كان يُصدّر 50 ألف طن من العسل سنوياً قبل الحرب، لكن صادراته هبطت أكثر من 50% بالسنوات الأخيرة.
ويعمل، وفق بيانات اتحاد النحالين، أكثر من 100 ألف شخص في مناحل العسل باليمن، عدد كبير منهم فقدوا مصدر رزقهم بسبب تقلص إنتاج العسل.
ويقول رئيس المؤسسة اليمنية لتطوير قطاع النحل والإنتاج الزراعي، عبد الله يريم: إن "إنتاج العسل وتربية النحل يعتمد على نقل المناحل من مكان لآخر بحثاً عن الماء والمرعى ولكن في ظل الحرب لم يعد بإمكان مربي النحل التنقل بين المراعي، خاصة في ساعات المساء، خشية من الاستهداف الخاطئ".
وبحسب يريم، الذي تحدث لوكالة "رويترز"، فإن مشكلة تصدير العسل تمثل عائقاً كبيراً آخر فلا يوجد أمام منتجي العسل منذ اندلاع الحرب، أي منفذ متاح للتصدير باستثناء معبر "الوديعة" على الحدود مع السعودية.
ويشير إلى أن التصدير عبر الأراضي السعودية ومنها إلى تركيا ودول أوروبا وآسيا خلق مشكلة جديدة وكبيرة، لأنه تسبب بارتفاع تكاليف النقل، ومن ثم زيادة سعر المنتج بشكل كبير لينخفض الطلب عليه مؤخراً.
- الفقر سبب آخر للكساد
وإضافة إلى صعوبات التصدير، فإن العسل لم يعد يلقى رواجاً في اليمن، وبات تجاره يعانون من كساده ويتلقون خسائر كبيرة، فبعد انهيار الاقتصاد وارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 85%، لم يعد اليمنيون قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، ومن ثم فإنهم لن يكونوا قادرين على شراء سلع كمالية مثل العسل.
وبحسب تقرير لقناة "الجزيرة" فإن عمليات بيع العسل في اليمن توقفت بنسبة 75% عما كانت عليه قبل الحرب.
ويبلغ سعر عسل السدر، الأعلى جودة عالمياً، في اليمن نحو 100 دولار للكيلوغرام الواحد، في حين يصل سعر الأنواع الأخرى إلى 68 دولاراً، وفي خارج اليمن يباع الكيلوغرام من عسل السدر ما بين 180 و200 دولار.
وسعر الكيلوغرام الواحد من عسل السدر يمثل أكثر من 20% من متوسط دخل الفرد اليمني خلال عام كامل، والذي بلغ في العام 2017 (485) دولاراً بعد أن كان 1247 دولاراً قبل اندلاع الحرب نهاية 2014.
- السدر والسمر وأنواع أخرى
وإضافة إلى عسل السدر، الأشهر والأعلى جودة عالمياً، هناك أنواع كثيرة من العسل اليمني؛ منها السَُمر، المستخرج من أشجار شوكية تنتشر بكثافة في أنحاء البلاد، ويحتل هذا النوع المرتبة الثانية من حيث الجودة، ويمتاز بمذاقه الحار ولونه الأحمر المائل للسواد، وتقتصر فترة إنتاجه على شهر أبريل من كل عام فقط.
ومن بين أنواع العسل اليمني أيضاً عسل سلام، وعسل المراعي، والعسل الجبلي، وهناك أصناف أخرى غير مشهورة كثيراً نظراً لقلة إنتاجها؛ مثل عسل الصال والعمق والكلح والعسق والفتد والحبضة والضهية.
وقبل اندلاع الحرب في اليمن كانت عائدات البلاد من تصدير العسل تصل إلى نحو 13 مليار ريال، وهو ما كان يعادل في ذلك الوقت 60.7 مليون دولار، وكانت أسواق الخليج العربي وحدها تستقبل نحو 500 طن سنوياً من العسل اليمني بقيمة إجمالية تقدر بنحو 13 مليون دولار.
وبحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، فإن اليمن كان يصدر العسل إلى معظم الدول العربية وعددد كبير من الدول الأوروبية والإفريقية ودول جنوب شرق آسيا.
وبلغ عدد خلايا النحل في اليمن عام 2012، مليوناً و293 خلية نحل، وفق وكالة الأنباء اليمنية الرسمية.
ولا تتوفر حالياً أرقام رسمية لعدد خلايا النحل في البلاد، إلا أن العديد من التقارير المحلية أكدت انخفاض أعدادها عما كانت عليه قبل الحرب.
الجمعة، 31-08-2018
- الخليج أونلاين
تاريخ النشر 1 - 9 - 2018
|
مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف * www.na7la.com * منذ عام 2007
|
|