توقف مشروع تحسين وتأهيل سلالة النحل السوري
وإنتــــاج يبحـــث عــــن أســــواق تصديريــــة
تحقيق: نجوى عيدة.
واجه قطاع النحل في سورية كغيره من القطاعات مشاكل عديدة في ظل الأزمة كالسرقة والتخريب وانحسار عدد المربين مروراً بصعوبات النقل وترحال خلايا النحل من المناطق الساخنة إلى الآمنة، وليس انتهاء بسوء الأحوال الجوية التي لعبت دوراً كبيراً في التأثير سلباً على النحل، وفي سنوات ما قبل الأزمة كان لتربية النحل أهمية كبيرة حيث سجلت انتشاراً لافتاً وسريعاً بفعل الإقبال المتزايد عليها من قبل المربين والمختصين الذين وجدوا فيها مورداً اقتصادياً وطقساً اجتماعياً زراعياً في آن واحد.
النحل قبل وخلال الأزمة تطور قطاع النحل خلال السنوات الماضية تطوراً ملحوظاً نتيجة الاهتمام والدعم المخصص للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ومنها تربية النحل حيث زاد إجمالي عدد طوائف النحل من 10 آلاف طائفة عام 2002 إلى 632 ألف طائفة عام 2011، حسب حديث المهندس فايز درويش رئيس قسم النحل في وزارة الزراعة الذي بيّن لنا ازدياد عدد الطوائف المرباة في الخلايا الخشبية الحديثة من 288 ألف طائفة عام2002 إلى 508 آلاف طائفة عام 2011 وزادت نسبة التربية في هذه الخلايا من 75% في 2002 إلى 80 % عام 2011 ورافق هذه الزيادة تطور في إنتاج العسل من 2130 طناً إلى 3558 طناً في وقت وصل فيه متوسط إنتاج طائفة النحل من العسل حسب الإحصائيات لعام 2011 إلى 5,6 كغ عسل بينما متوسط إنتاج الخلية الحديثة يتراوح مابين 10- 15 كغ في العام وذلك بحسب حالة الموسم ومعدل الهطول المطري، عازياً الفرق بين متوسط إنتاج الخلية الحقيقي والبيانات الإحصائية للطرود المنتجة وإلى انخفاض إنتاج الخلايا البلدية من العسل التي يعتمد عليها بعض المربين في إنتاج الطرود، وأضاف أن الوزارة قبل الأزمة كانت وحتى الـ2012 تسير على طريق تأهيل وتحسين سلالة النحل السوري من خلال محميات معزولة تربى فيها طوائف النحل وكانت مبشرة بهذا المجال من حيث مقاومتها للأمراض وللحشرات المهاجمة وإنتاجيتها من العسل وقدرتها على تحمل ظروف فصل الشتاء وقضائه بجيش جيد من النحل، لكن بسبب الأزمة وعدم وجود مناطق آمنة لوضع هذه الطوائف فيها ومعزولة عن طوائف النحل الأخرى أدى إلى إيقاف العمل فيه، وكان الهدف من هذا المشروع الوصول إلى السلالة النقية للنحل السوري وانتخابها وتحسينها ثم إجراء عملية التهجين مع سلالات أخرى كالإيطالي والقوقازي والكرنيولي. استيراد وتصدير العسل يساهم النحل في الدخل القومي الزراعي بنسبة عالية عن طريق المساعدة في تلقيح الأزهار من خلال رفع نسبة عقد الثمار من 35 إلى 60 %، كما أن تنوع البيئة والزراعات في سورية ساهم بإنتاج عسل من النوعيات الجيدة والمرغوبة في العديد من الدول وكان مرغوباً لدى المستهلكين، وأشار درويش إلى خروج كميات كبيرة من العسل برفقة المسافرين ، أما التصدير فكان وما زال متاحاً، وهناك محاولات لإعادة استيراد النحل من سلالات قياسية عالمية (إيطالي –قوقازي – كرنيولي ). وقال أيضاً : لدينا طلبات نقوم بدراستها الآن بالإضافة للظروف الراهنة التي جعلتنا نسمح باستيراد العسل من دول أجنبية كالصين وألمانيا وأوكرانيا لكن ضمن شروط كأن يكون عسل نحل طبيعي وخاضعاً لمواصفات فنية وصحية وبيطرية معينة بالتزامن مع مراقبته عند دخول المنافذ الحدودية في المخابر التابعة لوزارة الزراعة ومخابر وزارة التموين للتأكد من سلامته ومطابقته للمواصفات السورية، وكل الموافقات بهذا الشأن تصدر عن وزارة الزراعة. أما استيراد منتجات خلية النحل فينظمها قرار الوزارة رقم 44|ت تاريخ 1|7|2004 . وبخصوص النحل المربى في بلدنا فهو كما يقول المهندس درويش ليس سلالة صافية بسبب قيام البعض بإدخال ملكات غير سورية يتراوح سعر الواحدة منها مابين 15 إلى 70 ألف ومن وجهة نظره إذا أردنا الحفاظ على النوع المحلي يفضل عدم إدخال ملكات دخيلة . ثروة وطنية تعتبر سلالة النحل ثروة وطنية هامة نشأت في بلدنا منذ آلاف السنين وتطورت وتأقلمت مع بيئتنا وهي تمتاز باستهلاكها الاقتصادي من المخزون الغذائي خلال الشتاء ومقاومتها للأمراض والآفات وتضع بيضها بالتزامن مع توفر المراعي ونشاطها وحركتها الدؤوبة ودفاعها عن مسكنها. وقدر فايز درويش عدد مربي النحل في سورية ما بين 15 ألف إلى 20 ألف، أما العمال في مجال النحل وتصنيع مستلزمات تربيته ومحلات بيع منتجاته وبعض الصناعات التي تدخل في تركيبها منتجات خلية النحل مثل (السكاكر ومواد التجميل والصابون والشامبو وغيرها)، فإن عددهم يزيد عن 35 ألف مشتغل، ناهيك عن الأسر التي تعتمد في معيشتها على قطاع النحل أيضاً، حيث تفوق الـ 35 ألف أسرة، ويضيف درويش بالنسبة لحيازة المربين من طوائف النحل والبالغة 50 طائفة فما دون فهم يشكلون 60% من إجمالي عدد المربين و 30 % لمن تتراوح حيازتهم 50- 100 طائفة، أما من يشكلون 10% فهم الذين يمتلكون 100 طائفة فأكثر، وقبل عام 1980 كانت أغلب طوائف النحل تربى في خلايا بلدية “وطنية أو خشبية “ولتطوير هذا القطاع قامت الدولة بالعمل على إحداث مشروع تطوير تربية النحل في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي عام 1986. وفيما يتعلق بتأمين حاجة مراكز الوزارة من المستلزمات، بين أن السعي مستمر لتأمين هذه المستلزمات حال توافر الظروف الأمنية والجيدة بالتوازي مع القيام بإنتاج طرود في المراكز التابعة لها والإبقاء عليها وعدم بيعها للمربين في العام الحالي بهدف زيادة عدد الطوائف ضمن هذه المراكز، إضافة لإعادة المنشرة للعمل وتصنيع الخلايا الخشبية الحديثة في اللاذقية لتأمين حاجة المراكز منها، وهي الآن في طور إجراء الدراسة، وفي حال توافر زيادة في عدد الخلايا الخشبية سيتم بيعها للمربين، وأوضح أن الوزارة كانت في وقت سابق تنظر إلى بيع الطوائف والخلايا الخشبية بمنظور اقتصادي، أما اليوم فهدفها خدمي تهدف إلى تشجيع المربي ومساعدته لإعادة تربية النحل، ودخول القطاع الخاص في صناعة الخلايا وإنتاج الطرود ساهم في تطور هذا القطاع، ففي بداية الأزمة وصلنا إلى 600 ألف طائفة نحل، لكن اليوم انحسرت تربية النحل بشكل عام بنسبة تتراوح بين 40 إلى 60بالمئة. الأضرار والخسائر ووزع المهندس فايز درويش تربية النحل على كل المحافظات السورية وقال: لدينا مراكز لتربية النحل بكل المحافظات باستثناء الحسكة ونتيجة ظروف الأزمة والظروف الحالية انحسرت المراكز وتوقفت عن العمل وتضررت، فتوجد في السويداء 8 طوائف نحل كانت تابعة لمشروع التحسين والتأهيل و 15 من النحل الإنتاجي، وهي لم تتضرر بل توقفت عن العمل وفي درعا لحقها الضرر نتيجة نقلها شتاء، من جهة أخرى لحق الضرر بكل مستودعات وأساس النحل في إدلب وبعض المناطق في حلب ودمشق ( مرج السلطان تضرر بالكامل ) وتضررت جميع المراكز في الغاب ودير الزور والرقة، أما المراكز التي تعمل حالياً والتي تأثر جزء منها بالعاصفة التي سادت القطر فهي اللاذقية وحماة التي كانت تحتوي 111 طائفة بقي منها 60 طائفة، وفي القنيطرة انحسرت من 55 إلى 9 طوائف، أما في طرطوس وحمص وتطور الغاب فالمجموع قبل العاصفة 851 طائفة تراجعت إلى 661 أي أن تأثير الأزمة يقارب من 80 إلى 90 بالمئة، وما بقي كان نتاج العاصفة، وقامت الوزارة بنقل المراكز من المناطق الساخنة إلى المناطق الآمنة بهدف الحفاظ على طوائف النحل، ومن الصعوبات التي واجهت عملية النقل الاضطرار لنقل الخلايا نهاراً لأن النحل ينقل ليلاً، حيث يؤمن وجوده بعدده الكامل في بيته، لكن في النهار فهو يخرج في رحلة البحث عن طعامه. معاناة مربي النحل الظروف المناخية الحالية وحالة الجفاف التي تعرضت لها بلدنا خلال السنوات الأخيرة وانحسار بعض الزراعات، إضافة لموجات الصقيع خاصة خلال السنة الحالية كانت من أهم المعوقات التي واجهت مربي النحل، يضيف درويش لعب الاستثمار غير المستدام للموارد الطبيعية كالزعتر البري في المنطقة الساحلية وزيادة الزحف العمراني دوراً كبيراً في التأثير سلباً على النحالين في وقت توقف فيه المصرف الزراعي عن تأمين القروض اللازمة لمربي النحل وعدم شمول مهنة تربيته في صندوق دعم المنتجات الزراعية وجملة من العوامل الأخرى التي وقفت عائقاً أمام استمرار نجاح هذه التربية. أما عن الدور الذي تلعبه وزارة الزراعة في دعم النحالين، فقد بين درويش أنه ومن خلال مخبر أمراض النحل تقوم بتحليل العينات للمربين بهدف الكشف عن أمراض النحل وبشكل مجاني، وتم حصر كل أمراض النحل وكيفية الوقاية منها في الوقت الذي يتحكم فيه السوق والظروف بسعر الأدوية، إضافة للعديد من الدورات التدريبية في هذا المجال والإدارة الجيدة للمناحل وتربية الملكات، كما تم إصدار دليل مراعي النحل لمساعدة المربين على معرفة توافر المراعي النحلية ومواعيد تفتح الأزهار وجني العسل. ونتيجة الأزمة تحاول الوزارة بالتعاون مع منظمة الفاو تأمين خلايا نحل للمربين الذين تضرروا أو مساعدة الذين مازالوا يمارسون المهنة عبر تقديم بعض الخدمات لهم “مواد مكافحة –شمع – سكر تغذية” وبالنسبة لإعادة تأهيل مراكز تربية النحل فتحتاج لحوالي 15 مليون ليرة قابلة للزيادة حسب السوق، وهذا أحد المقترحات التي تم رفعها للفاو أيضاً. الجمعية المتخصصة بسام نضر رئيس الجمعية المتخصصة لتربية النحل بين أن تربية النحل تنفرد بطابعها البيئي الاجتماعي وبتعدد فوائدها وسهولة التعاطي معها بسبب وفرة المراعي وملائمة الظروف الطبيعية والبيئية التي توفر مصادر رحيق متنوعة، وهذا يؤدي إلى إنتاج أنواع عديدة من العسل، وإنتاج مواد أخرى لا تقل أهمية مثل حبوب الطلع، والشمع، والغذاء الملكي والعكبر، وغيرها من المنتجات التي لها فوائد غذائية، وطبية كبيرة، مثنياً على الجمعية التي لديها صناع مهرة لمستلزمات الإنتاج المطابق للمواصفات والمقاييس العالمية المعمول بها. وفي سورية 20 ألف جمعية فلاحية متخصصة موزعة في المحافظات ذات الأهمية الاقتصادية، ووصف نضر سلالة النحل السوري بالشراسة، وتأقلمها مع الظروف الجوية، ومقاومتها لحشرة الدبور الشرقي، وصنـّف العسل حسب ظهوره إلى عسل الحمضيات، والحبة السوداء (عسل حبة البركة)، والجبلي، والجردي، وغير ذلك، حيث يتم إنتاج مئات الأطنان من العسل سنوياً، وهو يلاقي رواجاً في الأسواق العربية والعالمية لتنوعه وفوائده الطبية والعلاجية، معتبراً مملكة النحل صيدلية متنقلة تهدف لحياة بلا كيماويات، وعن عمل الجمعية خلال الأزمة، أوضح رئيسها عن قيامهم بتقديم بطاقات لترحيل طوائف النحل، ومستلزمات الإنتاج، كما تقوم الجمعية بتأمين الأدوية اللازمة لمكافحة آفات النحل، وتأمين الطرق الإرشادية لمكافحة الدبور، والزلقط الأصفر، أما بوجود طير الورور فينصح بترحيل طوائف النحل لأماكن لا يتواجد فيها، وعن التعاون مع وزارة الزراعة في الوقت الراهن، أشار إلى أن الوزارة حالياً لا تقدم أي شيء للجمعية إلا الاستشارات الفنية. حلول مقترحة تلتقي معاناة الجمعية وتصب في خانة ما يواجهه المربون، وكانت لها مقترحاتها لتطوير مهنة تربية النحل، وإنتاج العسل كتوحيد نشاط الجمعيات الفلاحية الفرعية، واقتراح تحويل الجمعية المتخصصة بتربية النحل إلى اتحاد للنحالين السوريين، وضم كافة الفعاليات العاملة في مجال تربية النحل لهذا التنظيم بالتزامن مع تعديل المواصفات القياسية السورية، إضافة لتأمين الأدوية والعلاجات، واستيراد ملكات أو نحل مستورد. نظرة اقتصادية تبقى للاقتصاديين نظرتهم المختلفة التي لا يمكن للمربي أو الدولة أن تراها، وهي تصب في خدمة جميع الأطراف، لأن منظوره ربحي هادف، ولا مجال فيه للمجاملة.. الدكتور شادي بيطار، “كلية الاقتصاد”، رأى أن انخفاض كميات الإنتاج يعود إلى مشكلة التنقل خلال الأزمة، وما يترتب على ذلك من مازوت ووقود وأمن، تعتبر بحد ذاتها مشكلة، والتغذية التي يتكلفها النحال، إضافة لمشاكل الحشرات، بالمقابل المستهلك غير قادر على شراء العسل بـ 3000 ليرة، وما فوق، أما الحل من وجهة نظره فهو العمل على بناء مزارع خاصة (محمية ) تكون على مساحة واسعة، وتزرع ببذور معينة، مبيناً أن وزارة الزراعة بإمكانها القيام بصنع مضادات طبيعية، كأن ترى ما هو الطائر الذي يمكنه محاربة الدبور وتقوم بتربيته، بما يعني (مكافحة طبيعية)، ودعم النباتات العطرية التي تبنتها وزارة الزراعة مؤخراً، ودمج النحل فيها، وبالنسبة لخسائر المربين يجب تعويضهم بالنظر إلى كمية إنتاج كل خلية، والتعويض كحد وسطي، إضافة للتعويض على الملكة أيضاً. حلول اقتصادية للتصدير المربي والمزارع من وجهة نظر د. بيطار همه الأول الربح، وكلما أعطيناه ربحاً زيادة كلما أنتج أكثر، ليس لأنه محتكر، بل لأنه صاحب مجهود وتعب وقال: لكي نقوم بعملية التصدير نحن بحاجة لأسواق، لذا فلنتجه شرقاً لإيران والصين ودول البريكس والهند، ونبحث عن هذه الأسواق، وما تحتاجه من مواصفات من ناحية العبوة والإنتاج والكمية، وما هي السلعة المنافسة، وهل هناك منافس من حيث الشكل الخارجي لأن العسل سيخضع لاختبار، وإن لم يكن نخبة لن يدخل للبلد، بعدها نتجه للمزارع الذي يجب تعليمه كيفية إنتاج عسل بكافة المواصفات، وعناصر الجذب الخارجية، ويجب أن تكون عملية التصدير ممنهجة ومنظمة، وليست عشوائية، كما يجب أن يكون هناك تعاون بين المربي والمزارع والوزارة المعنية ووزارة التجارة الخارجية، إضافة لتشجيع النحال على تقديم منتجه في المعرض، ونحن نستطيع القيام بمعارض داخلية، والمشاركة في معارض لبنان، وكاقتصاديين نشجع على التصدير أكثر من الاستيراد، لأننا نقبض بالقطع الأجنبي، وهو مهم ليس فقط في العسل، بل في كل المنتجات، لأنها تدعم الليرة وتخفض سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية. كيفية الوصول يمتاز العسل السوري بجودته، ورواجه الكبير، وتمتاز طبيعتنا بتنوع نباتي كبير، ربما الأزمة أثرت بشكل كبير على هذا القطاع، ولكن مازالت أمام وزارة الزراعة فرصة لتفادي هذه الخسارة، وهي أعلم بكيفية الوصول إلى حلول تعيد لهذه الثروة نجاحها وألقها.
1-7-2015 جريدة البعث
|