والعاملات هي التي تنظف الخلية وبمهارة فائقة تسد الشقوق وتصقل
الجدران بمادة تصنعها لذلك هي غراء النحل، وإذا ما تسرب فأر مثلاً إلى الخلية انقضت عليه بلسعاتها حتى يموت، ثم إنها كي تمنع تفسخه تغطيه براء محكم من الغراء لا يدخله الهواء. والهواء داخل الخلية نظيف يجدد باستمرار [14] والعاملات لا تقوم فقط بعملية التهوية بل إنها تحافظ على درجة حرارتها عند مستوى معين، فهي تقوم بعملية تكييف الهواء داخل الخلية.
ففي أيام الصيف القائظة تقف طوابير من العاملات
بباب الخلية متجهة إلى ناحية واحدة وتحرك أجنحتها بقوة فهي تبدو وكأنها مروحة تدخل تيارات قوية من الهواء البارد إلى الخلية. وهناك طوابير أخرى من العاملات تقوم بطرد الهواء الساخن من الخلية. وفي الشتاء يتجمع النحل حول بعضه فوق الأقراص وبذلك تقلل ما يتعرض من سطحها، كما تزيد حركة التمثيل الغذائي في بدنها وتكون النتيجة رفع درجة الحرارة داخل الخلية.
ومن العاملات ما يقول بوظيفة حراسة مدخل الخلية وتندفع إلى المعركة لأول استثارة. يقول د. بيساريف [15] : ليس عند النحل جيش دائم، فكل نحلة عاملة تملك سلاحها الخاص وتحسن استخدامه، وكل نحلة هي جندي مخلص في هذه المملكة مجبول بحسه الوطني للدفاع عنها ضد أعدائها من الزنابير والفراش، وحتى ضد النحلات من الخلايا الأخرى. فإذا ما اقترب عدو منهم إلى البيت فياويل له من العقاب، إن مئات النحل العامل سينقض عليه بإبره وفكوكه ولن يتركه أبداً حتى يصبح جثة هامدة.
ونظرة واحد إلى قرص العسل وهو يعج بآلاف العاملات تعطي للإنسان فكرة أنها لا تهجع أبداً وأنها مشغولة باستمرار بواجباتها العديدة. لكن اختصاصي النحل [16] أ.روت يؤكد أن النحل ينام في الليل إذ يبدو ناعساً وأشد تكاسلاً منه في ساعات الظهيرة.
وللنحل خمسة عيون، اثنتان منها مركبة وتوجد على جانبي الرأس، وثلاثة بسيطة توجد أعلى الرأس. ويعتقد أن الأعين البسيطة تعين النحلة على تمييز الأشياء القريبة على سافة 1-2 سم ولتجد طريقها داخل الخلية، على حين تستعمل العيون المركبة للمسافات البعيدة وقد برهنت التجارب على أن النحل يميز الألوان الأزرق والأصفر والأبيض، لكنها لا تحس مطلقاً باللون الأحمر.
وللنحلة قرنان للاستشعار يقومان بحاسة الشم، ويحتويان على شعيرات عصبية تقوم بمهمة حاسة اللمس، أما حاسة الذوق فتتركز في أوتاد صغيرة حول الفم متصلة بأعصاب الذوق وتتميز العاملات بحاسة ذوق قوية، فالمحلول السكري 4% مثلاً لا يبدو حلواً بالنسبة لها، وإنها لتفضل الموت على تناوله، كما أنها ترفض محلول السكارين قطعاً أما المحلول السكري المختلط بالكينا فإنها تحبه.
وعند العاملات
إحساس قوي بالوقت فهي لا تطير إلى الزهر إلا في الوقت الذي يمكن أن تجني به رحيقاً أو غبار الطلع. وتشير الأبحاث إلى أن إحساس النحلة بالوقت يجعلها تنظم أفعالها معه بصرف النظر عن حركة الشمس وظروف الطقس والمكان الجغرافي. فلو عزلت خلايا نحل عن نور الشمس الطبيعي فإنها تذهب لجني المحلول السكري في نفس الوقت دقيقة بدقيقة وكأنها في ضوء الشمس.
ولا يملك النحل بالمفهوم البيولوجي أعضاء للسمع [17] غير أن بعض الباحثين يرى أن مواضع في النحلة تحسُّ بالأصوات قيل أنها في قرني الإستشعار، وقيل أنها في مقدم ساقيها، كما أن نحالة مجربين أمثال أ. روت وغيره علاوة على مذكرات لبعض الباحثين أمثال: فرغلة ورابلي يؤكدون أن النحل يسمع الأصوات بشكل جيد، وخاصة رنين المعادن.
وقد حاول كثير من العلماء والباحثين اكتشاف طريقة التفاهم بين النحل.
وقد اعتقد بعضهم أن النحل يتكلم [18] . وفي عام 1788 لاحظ سبتزنر أن النحلة حينما تعود إلى الخلية ومعها رحيق أو غبار طلع فإنها تقوم بسلسلة من الحركات، وهي التي أطلق عليها بعد سنوات: رقص النحل. وقد خصص الدكتور كارل فون فريتش كثيراً من الجهد والوقت لدراسة سلوك النحل وأصدر عام 1946 كتابه عن رقص النحل
أثبت فيه أن النحلة الكاشفة حينما تعود لتخبر العشيرة لا عمّا تحمله من الرحيق والطلق كما كان يظن بل عن بعد المصدر من مكان الخلية. وقد دللت المشاهدات الحديثة على أن الرقصة الدائرية تدل على مصدر للرحيق قريب لا يزيد عن 55 متراً من المنحلة، أما إذا عادت النحلة الكاشفة وبصبصت بالذنب فهذا يعني أن مصدر الرحيق بعيد وأن على أخوتها أن تستعد لرحلة طويلة متعبة.
وقد كتبت فنسنت مارتيكا أن البحاثة الأمريكيين غارالد إيش وأ.فينر كينغ أكدوا أنه بالإضافة إلى أسلوب رقص النحل في التفاهم فيما بينها فهي تستخدم الأصوات.
فلقد وضع إيش ميكروفوناً صغيراً جداً في خلية النحل، فسمع أصواتاً تر تر تـرر... متوافقة مع مشاهدة رقصة النحل، يتكرر هذا الصوت بعد وقت قصير وأنه شاهد العديد من النحلات في تلك اللحظة وكأنها تتلقى الأوامر للخروج من الخلية لجمع الرحيق.
ومن منطلق أن النحل يفهم تلك الأصوات فقد صنع إيش نحلات تتحرك أوتوماتيكياً وتصدر أصواتاً تشبه ما تفعله النحلة الكاشفة العائدة إلى الخلية، وقذف بتلك النحلة في الخلية إلا أنه فوجئ بأن النحل عوضاً أن يخرج مستجيباً لها لجلب الرحيق تجمع حول النحل التمثال محاولاً لسعها وقتلها..
لقد عرف إيش خطيئته، لقد نسي أن تلك الأصوات يوجد خلفها أصوات أخرى توجه إلى العاملات التي تحيط بالنحلة الكاشفة، تلك الأصوات كأنها تخطابهم أفهمتم؟. ويفترض العلماء أن النحلات تسمع تلك الأصوات بجهاز تلق موجود في قرون الإستشعار وتبلغ الواحدة الأخرى عن مصدر الرحيق أيضاً بواسطة الأصوات.
والنحل بالإضافة إلى حركات الرقص يتخاطب بعضه مع بعض بإرسال إشارات وروائح تخرج من غدة خاصة بالرائحة موجودة على الناحية الظهرية لبطن النحلة.
ويعتقد عدد من الباحثين أن لكل خلية من النحل رائحتها الخاصة ولهذا السبب فإن القليل من النحل يغامر باقتحام خلية غريبة كما أن هذا ما يمنع مستودعات العسل في الخلية من النهب من قبل النحل المتلصص والنحل الحارس لمدخل الخلية على يقظة تامة فهو لا يسمح بدخول القادم إلا إذا تعرف عليه من رائحته وكأن رائحة الخلية هي كلمة السر للعبور.
ترويض النحل:
وهو توجيه أفعال الطيران عند النحل بمنعكس شرطي نحو نباتات معسّلة خاصة بإطعامها شراباً معطراً برائحة أزهار تلك النبتة، فلقد أكدت التجارب أن إطعام النحل ليلاً شراباً حلواً معطراً برائحة الزيزفون أو إعطاءها عسل الزيزفون يجعل النحل يتوجه صباح اليوم التالي إلى أزهار الزيزفون!..
وهذه الطريقة البسيطة في أيدي النحالين لها أهميتها في الزراعة، إذ بتوجيه النحل نحو أزهار معينة يساعد على تلقيحها المتصالب وزيادة إنتاجها من الثمر، وليعلم أنه كلما كانت الرائحة التي تقدم للنحل أنقى كلما كان تدريبها أنجع، ويمكن عند انتهاء النحل المدرب من مهمته بالإلقاح تغيير مهمته بإطعامه شراباً آخر خلال بضع ليالٍ، ولا بد من إغلاق باب الخلية أثناء الترويض.
وقد أيدت تجارب أجريت في معهد النحالة الروسي أنه في نفس الوقت الذي يتمكن فيه الإنسان بترويض النحل أن يوجهه إلى أزهار نبت معين، يمكن أن يحول النحل بالترويض من أزهار أخرى. كما تبين أنه كلما كانت خلايا النحل أقرب إلى مصدر الرحيق كلما كان النحل أقدر على الإلقاح التصالبي لتلك الأزهار وعلى جمع كميات أكبر وأكبر من العسل.
إن ترويض النحل يفيدنا في الحصول على عسل ذو مصدر وحيد معروف علاوة على أنه يفيد في زيادة الإلقاح التصالبي لذلك النبات وزيادة إنتاجه من الثمر علاوة على أنه يزيد إلى حد ما من إنتاج الخلايا المدربة من العسل.
صحة النحَّال [19] :
إن أول الاحتياجات الصحية في النحال هي النظافة، فأيدي النحال يجب أن تكون نظيفة دائماً، إذ يجب عليه أن يغسل يديه قبل أن يبدأ أي عمل في المنحل، وبعد انتهائه من العمل. وفي حال الشك بوجود تلوث في عشائر النحل، يجب أن يكون التغسيل بالماء الساخن مع الصابون واستعمال الفرشاة لذلك. وأن يتخلص من ماء الغسيل فوراً حتى لا يتسبب في عدوى جديدة.
ولإبعاد النحل عن ماء الغسيل يضاف إليه بضع قطرات من الكيروسين.
والعناية بالصحة ضرورية لكل إنسان لكنها أوجب بالنسبة للنحال، فرائحة العرق الكريهة تهيج النحل وتستثيره للدغ، وأحسن الملابس للعمل في المنحل بذلة بيضاء من قطعة واحدة وقبعة بيضاء. ويجب مراعاة النظافة التامة في المنحل، وتنظيف المكان من كل ما يلزم للعمل، كما أن الأجهزة المستعملة يجب أن تكون بحالة جيدة ونظافة دائماً.
والمنحل الذي تهمل رعايته لا يغل إيراداً مطلقاً –فهناك دائماً العشائر المريضة من النحل والضعيفة، وأخرى مصابة بقمل النحل، ولا شك أن لهذا أثره على إنتاج العسل، والمنحل الذي تراعى فيه الشروط الصحية يخلو من عتّة الشمع والقوارض والفطور والعفن.
وإمداد النحل بالماء مهم جداً من الناحية الصحية، فمن الثابت أن النحل يقوم بـ 7-15 رحلة يومياً لجمع الرحيق، وأقل من ذلك لجمع حبوب اللقاح، لكنها تقوم بحوالي 100 رحلة لجمع الماء. وتزيد حاجة النحل للماء في الربيع والصيف، أي في الوقت الذي يزيد فيه عبء تغذية اليرقات. وقد لوحظت حالات قذف فيها باليرقات خارج الأقراص نظراً لحاجته إلى الماء.
والخلية الغنية باليرقات بحاجة إلى 200-400 غ
من الماء يومياً، فإذا لم يزود النحال نحله به في مكان المنحل فإن النحلات تضطر للقيام بآلاف الرحلات للبحث عن الماء، فضلاً عن أنه قد يحصل على الماء من أماكن غير نظيفة أو ملوثة، ويستحسن وضع برميل خشبي يملؤ ماءً، وله صنبور يخرج منه الماء تنقيطاً على لوحة خشبية مائلة. ولكي يسيل الماء ببطء تسمر قطع خشبية معترضة أو تصنع حفر صغيرة في اللوحة الخشبية.
ومن المستحسن إضافة قليل من الملح إلى الماء 5 غ لكل ليتر. ويجب ترك حرية الاختيار للنحل، لتختار بين الماء العذب والماء المالح. وقد اتضح أن 47% من النحل اختار الماء العذب، وعلى حين كان النحل يأخذ ماء ملوحته 0.5% فقد رفضت تماماً أن تأخذ ماء ملوحته 1%.
------------------------------------------------------------------
[1] : عن كتاب "النحلات والطب".
[2] : المرجع السابق.
[3] : عن كتاب العلاج بعسل النحل. ترجمة الحلوجي.
[4] : المرجع السابق.
[5] : عن كتاب "النحلات صيدلانيات مجنحة".
[6] : عن كتاب: "Bees and People".
[7] : عن كتابه Traite de Biologie L Abiele.
[8] : عن العلاج بعسل النحل: ترجمة الحلوجي.
[9] : عن كتاب النحلات والطب.
[10] : عن كتاب: "Bees and People".
[11] : عن كتاب: النحلات والطب.
[12] : عن كتاب: "Bees and People".
[13] : عن تفسير القرطبي في آية النحل.
[14] : عن كتاب النحلات والطب.
[15] : عن كتاب العلاج بعسل النحل ترجمة الحلوجي.
[16] : عن كتاب العلاج بعسل النحل ترجمة الحلوجي.
[17] : عن كتاب النحلات والطب.
[18] : عن كتاب العلاج بعسل النحل ترجمة الحلوجي.
[19] : عن كتاب العلاج بعسل النحل ترجمة الحلوجي.
د. نـــزار الــدقــــر