أهمية العكبر في حماية طائفة النحل
ترجمة الدكتور طارق مردود
كيف يمكن لهذا العدد الكبير من الأفراد (يبلغ وسطياً عدد طائفة النحل 50000 نحلة) أن يعيش في هذا الزحام ويعمل باستمرار دون أن يصاب بمرض أو عدوى؟ وذلك ضمن بيئة تصل حرارتها إلى 35 درجة مئوية ورطوبة تصل إلى
90% وهي أفضل بيئة لتطور كل أنواع البكتريا والفطور والتعفنات.؟ ومع ذلك يبقى جو الخلية خالياً من هذه الميكروبات!. كيف يستطيع النحل الحفاظ على العسل لسنوات دون أن يفسد ؟ الجواب هو العكبر.
العكبر هو مادة علكية صمغية راتنجية، يجمعها النحل من البراعم أو الأماكن المجروحة في بعض الأشجار مثل الصنوبر – الصفصاف – الكستناء –
الدردار- الحور... . والعكبر الموجود في الخلية لا يملك نفس قوام ورائحة المواد الراتنجية النباتية التي يجلبها النحل فيما لو عزلناه من النحل أثناء عودته للخلية،
مما يثبت تماماً أن النحل لا يجمع هذا الراتنج كمادة جاهزة بل يجري عليها بعض الرتوش والتتمات وذلك بإضافة الأنزيمات والعصارات المعدية والإفرازات اللعابية وعمليات أخرى لم يتم اكتشافها بعد مثله مثل العسل وغبار الطلع ...
كيف يَـسْتعمل النحـل العُكـبر؟ :
لا يُخزّن النحل العكبر في النخاريب وإنما يضعه فوراً على أحد أجزاء الخلية. بعد جمعه مباشرةً يكون ليناً وغالباً بحالة سائلة وتجده في كل جزء من الخلية ولكنه أكثر ما يوجد حول حواف الغِطاء وعلى نهاية الإطارات
ويملأ تماماً الفراغات بين النهايات العلوية للقضبان وعلى الجدار الأمامي والخلفي للخلية.
ويكون في كثير من الأماكن غير مفيد ظاهرياً كما هو الحال على الجدران والقعرْ وفي وسط الغِطاء وعلى الإطارات والمقاطع ..وفي بعض الأحيان يوجد على شكل كتل صغيرة أو شرائط(أشرطة) . وقد أُفيد أنَّ
بعض الإطارات الفارغة التي لا يحتاجها النحل حالياً قد غُطّيَت بطبقة رقيقة من العكبر لحفظها. وغالباً ما تُملأ جزئياً بيوت الملكات المهجورة بالعُـكْبُر ولكنَّ الشمع أيضاً يُستخدم لنفس الغرض وغالباً ما نجده مُغطّى بطبقة رقيقة من العُـكْبُر .
هذه المادة قاتلة أو مثبطة لكثير من أنواع البكتيريا وبعض الفطور الضارة للإنسان؛ لذلك تدخل في صناعة الأدوية التي تعقم الفم من الجراثيم أو لقتل بعض البكتريا التي تهاجم الأمعاء.
لونها رمادي إلى بني، وفي الجو البارد يكون العكبر صلب أما في الجو الحار فيكون طرياً وينصهر عند درجة حرارة 60-80 درجة مئوية، كما يمكن إذابته بالكحول.
يمكن الحصول على العكبر وإنتاجه عن طريق نزعه من حول الإطارات وجدران الخلية.
عند تسخينه في وعاء مزدوج ينفصل العكبر إلى طبقتين متميزتين طبقة تبقى أسفل الوعاء ذات القوام اللزج والطبقة الأخرى تطفو وهي ذات القوام السائل والطبقة الطافية هي الشمع.
تضع الملكة يومياً حوالي (2000) بيضة ويجب أن تكون كل النخاريب مطلية بطبقة رقيقة من العكبر لكي تحمي النخاريب من الجراثيم والميكروبات والعوامل الأخرى ... وفي عام 1964 أجرى الروسي (ليبيوس)
مجموعة من التحاليل أظهرت أن العكبر بالإضافة لاستعماله في طلي نخاريب الحضنة فهو يستعمل أيضاً من قبل النحل لتقوية الأقراص الشمعية مما يجعل القرص قادراً على حمل حوالي (3) كيلو غرام من العسل وهذه كفاءة عالية يصعب على الإنسان تحقيقها.
كذلك يستخدم النحل العكبر لتغليف آفة موجودة داخل الخلية بعد قتلها وعدم قدرة النحل على إخراجها خوفاً من تفكك الآفة وإصابتها بالأمراض التي تنتقل لنحل الطائفة حيث تبقى محنطة لفترات طويلة دون أن تتفسخ.
هناك نوع من النحل يدعى القزم (الصغير)Apis florea يوجد في أسيا (الهند وماليزيا)، يبني مسكنه بشكل قرص واحد، لم يستأنس بعد، ضعيف الطيران وجمعه للعسل قليل، إلا أن عسله جيد المواصفات،
كثير التطريد، وهو أصغر أنواع النحل لذلك سمي بالنحل القزم. يتعرض هذا النحل لهجوم النمل الذي يقوم بالتجمع حول عش النحل أولاً كجيش يطوقه حتى يصبح كل شيء حول العش أسوداً من كثرة تعداد النمل ومن ثم يشن الهجوم الشامل.
يقوم النحل المدافع والحارسات بلسع النمل إلى أن يموت النحل بالتفوق العددي ويدخل النمل إلى العش فيقتل الملكة ويستولي على كل شيء ليحمله إلى عشه من نحل ميت ويرقات وعسل وقد تهرب بعض النحلات من الهجوم بعد أن يشلها الخوف وفقد الملكة لتموت لاحقاً من فقدان التنظيم والدفء .
لمقاومة هذا الهجوم يلجأ هذا النوع من النحل باستعمال إستراتيجية خاصة حيث يقوم بوضع بقع من العكبر اللزج حول القرص بما يشبه مصائد الذباب اللاصقة التي يستعملها الإنسان.
وعندما يقترب النمل من خلية النحل يلتصق بهذه البقع وعندما تحاول النملات الأخريات المساعدة على تحريرها تلتصق هي الأخرى... وهكذا حتى تصبح المنطقة سوداء من جثث النمل الميت فيقوم النحل بتلطيخ هذه الأكوام من
الجثث الملتصقة بالمزيد من العكبر اللزج. ومع مرور الزمن تكبر هذه البقع المكونة من العكبر المتصلب وأجساد النمل المحنطة، ويتم استهلاك هذه البقع من قبل يرقات دودة الشمع لاحقاً...
هذا التهديد النملي يحدث في معظم بقاع العالم وتموت مئات الخلايا سنوياً خصوصاً أن سلالات النحل الأخرى (الإيطالي – الكرينولي – القوقازي )
لم تطور بعد إستراتيجية للدفاع مثل ذلك النوع. وربما يتمكن الإنسان من إدخال هذه الصفات إلى السلالات الأخرى عن طريق الهندسة الوراثية كما حصل بين النحل الياباني والأوربي ...
نقلاً عن الإنترنت